السبت 23 نوفمبر 2024 02:23 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الرابع ”

    مصر وناسها

    ونكمل الجزء الرابع مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وإن من مكارم الأخلاق أيضا هو الحياء وهى الصفة التي يعرف بها الصالحين والصادقين، وبها ضمانة عدم انتشار المعاصي في المجتمع الإسلامي، وله عدة أقسام، منها الحياء من المعصية وتكون من العبد حين يرتكب ذنبا ما، وحياء الحشمة وبها يندفع الإنسان لأن يحتشم عن أعين الناس، سواء حشمة اللباس أو غيرها إذ تأنف النفوس أن يصدر منها ما هو مشين، وأيضا من صور الحياء، هو الحياء من أهل العلم والفضل والمعرفة، وأيضا الحياء من النظر لما لا يليق من المشاهد، وكذلك حياء الإنسان من نفسه، فلا يقبل على نفسه فعل ما لا يليق به، وإن من مكارم الأخلاق أيضا هى المروءة، وإن المروءة هي التزام المسلم فعل الحسن من الأقوال والأفعال وتجنب ما لا يليق به، وهي الباب الرئيسي للتخلق بالأخلاق الحسنة، وإن من صور المروءة هو التزام آداب الطريق من أدقها لأجلها، كالتزام المشي المتزن في الطريق، وكذلك مراعاة أدب الكلام، وضبط النفس في مواطن الغضب وحتى في مواطن الفرح الشديد الوفاء وإن الوفاء هو خلق حثت عليه النصوص القرآنية، فمجال هذا الخلق ليس منحصر بالتعاملات الإنسانية، بل يتعدى بتعامل الإنسان مع ما حوله من البيئة المحيطة به، ففي هذا الخلق دلالة على كرم نفس صاحبها، وسمو مشاعرهم، وتتشعب مجالات الوفاء في حياة الإنسان، فمن صور هذا الخلق الكريم، هو وفاء الإنسان في أداء واجب شكر والديه على ما قدماه له، ووفاء الإنسان مع معلمه الذي علمه.

    ووفاء الإنسان في تعاملاته اليومية من البيع والشراء، ووفاء الإنسان بالعقود، وأيضا من مكارم الأخلاق هو الرضا، وهو قبول الأمور ورؤيتها بعين الرضا، ويعدّ هذا الخلق الكريم هو صمام الأمان لئلا ينزلق الإنسان في مهاوي السخط من القضاء القدر، وإن من صور الرضا، هو الرضا بالنعم المنعم بها عليه، فالرضا باب لشكر الله حق الشكر، والرضا بما قسمه الله له من نصيب الخير في الدنيا، الرضا بما يصيبه من أمراض وأوجاع، مع أخذ الأسباب للشفاء، ولقد نشأ النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من أول أمره إلى آخر لحظة من لحظات حياته متحليا بكل خلق كريم، مبتعدا عن كل وصف ذميم، فهو أعلم الناس وأفصحهم لسانا، يُضرب به المثل في الأمانة والصدق، أدبه الله فأحسن تأديبه، فكان أرجح الناس عقلا، وأكثرهم أدبا، وأوفرهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأكثرهم حياء، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأكرمهم نفسا، وأعلاهم منزلة، وبالجملة فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله صلى الله عليه وسلم منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو صلى الله عليه وسلم أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له صلى الله عليه وسلم بذلك القاصي والداني، والعدو والصديق، فهو بحق الرسول المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" رواه البخاري، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف.

    "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون هلا وُضعت هذه اللبنة؟ قال صلى الله عليه وسلم فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " رواه البخاري، ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته " وقال القاضي عياض "وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم" وقد بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع والأمة، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" رواه أحمد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال" لما بلغ أبا ذر الغفارى رضى الله عنه مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق" رواه البخارى.

    وإنه لا يمكن لإنسان أن ينكر أهمية الأخلاق في الحياة عموما، وأهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام على وجه الخصوص، وقبل معرفة ما لهذه الأخلاق من أهمية ومكانة لا بد من الوقوف عند تعريفها، وفيه يُقال الأخلاق هي دراسة أفعال الإنسان من حيث إنها صالحة أو طالحة، فالأخلاق تدرس الأفعال الإرادية للإنسان، والأخلاق أيضا هي شكل من أشكال الوعي الإنساني يقوم على ضبط سلوك الإنسان في كافة مجالات الحياة الاجتماعية دون استثناء في المنزل ومع الأسرة وفي التعامل مع الناس، ومما هو جدير بالذكر أن الدين وضع أساسا لتنظيم حياة الإنسان وعلاقته مع الناس، ومع نفسه، ومن جملة هذه العلاقات تتكون الأخلاق والقيم، وإن الأخلاق شيء فطري موجود في جبلة كل إنسان وطبيعته وفطرته، والحياة ومؤثراتها والبيئة المحيطة هي التي تؤثر على هذه الأخلاق وارتقائها أو انحدارها، ولكن المقصود بجذور علم الأخلاق أي متى صارت الأخلاق علما قائما بذاته، أو فلسفة قائمة بذاتها لها أصولها وقواعدها ومبادؤها التي يعتمد عليها، وفي هذا الصدد يقال إن " العالم مسكويه" يعد أول علماء المسلمين الذين كتبوا في علم الأخلاق بمفهومه العلمي والفلسفي، وذلك خلال كتابه تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، وقد لمع نجمه في الفلسفة حتى لقبه البعض بالمعلم الثالث، ومسكويه هو أول عالم من علماء المسلمين الذين درسوا الأخلاق الفلسفية بناء على أسس علمية، وذلك في كتابه تهذيب الأخلاق والذي ركز فيه على الأخلاق والمعاملات وتنقية شخصية الإنسان.

    ومما هو جدير بالذكر أن "مسكويه" كان يعيش حياة ميسورة، فيها كل أسباب الراحة والمتعة، وقد مارس في مطلع شبابه حياة اللهو والفجور، ولعل هذه الحياة الحسية هي التي دفعته إلى التبحر والغوص في فلسفة الأخلاق، ولذلك عاد في فترة متأخرة من حياته إلي دراسة الفلسفة والحكمة وتجارب الشعوب، ومحاولة معرفة أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام، ولكن ما هو الخلق الحسن؟ فإنه قبل أن يسأل سائل عن أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام لا بد أن يميز بين نوعي الأخلاق، ومعرفة كل نوع ما له وما عليه، فمن المعروف أن الأخلاق قد تكون صالحة وقد تكون طالحة، وهذا متعارف عليه في المجتمعات كلها وليس في الدين الإسلامي فقط، ولعل هذا يرتبط بفطرة الإنسان وحبها للخير والعمل الصالح والخلق الحسن، ورفضها للشر والعمل الطالح والخلق السيئ، وفي هذا الصدد يمكن القول إن الخلق الحسن هو تلك المنظومة من القيم والعادات التي ترتقي بالإنسان وفكره وأخلاقه، وهو الذي يجعل صاحبه من خيار الناس وأفضلهم شأنا وأعلاهم مكانة وقدرا، كما لا يمكن إنكار مكانة صاحب الخلق الحسن عند الله تعالى وفي الدين الإسلامي، وقد ورد في الشريعة الإسلامية الكثير من الوصايا التي تحث على الخلق الحسن، وذلك لما له من دور في جذب الناس إلى الإسلام، وما يؤديه من مهمة في عكس الصورة الصحيحة للمسلمين وأخلاقهم النبيلة المشابهة لهدي السيرة النبوية، وما فيها من منظومة قيمية وأخلاقية، وقد يصل الإنسان أحيانا إلى معرفة الشيء من نقيضه.

    وفي هذا يمكن القول إن الخلق السيئ هو كل فعل أو تصرف أو عادة مخالفة ومناقضة للسلوك الحسن الذي تقبله الفطرة وينادي به الدين، ويدعو إليه الإسلام والقرآن الكريم، وقد قيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة، أي اختصر لنا، فقال اترك الغضب، ومما سبق يتبين أن الغضب من الصفات التي تجعل الإنسان سيئ الخلق، ومما قيل أيضا "لا تصحب من ساء خلقه، وهو الذي لا يملك نفسه عند الغضب والشهوة" ومما ورد عن علقمة العطاردي رحمه الله، في وصيته لابنه لما حضرته الوفاة، قال "يا بني إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها" ومن خلال هذه الوصية يمكن للإنسان أن يستنبط من هو سيئ الخلق، فهذه هى الأخلاق الإسلامية التي ينبغي لكل مؤمن ولكل مؤمنة التخلق بها والاستقامة عليها حتى الموت، وما ذاك إلا لأن الله سبحانه وتعالى خلق الثقلين لعبادته ووعدهم عليها أحسن الجزاء إذا استقاموا عليها، وأعد لأوليائه المستقيمين على الأخلاق التي أمر بها ودعا إليها الجنة والكرامة مع التوفيق في الدنيا والإعانة على الخير، وأعد لمن حاد عنها واستكبر عنها دار الهوان وهي النار وبئس المصير، وإن الأخلاق الإسلامية هي التي أمر الله بها في كتابه العظيم، أو أمر بها رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أو مدح أهلها وأثنى عليهم ووعدهم عليها الأجر العظيم والفوز الكبير، ومنها الأخلاق.

    التي وعد الله عز وجل أو الرسول صلى الله عليه وسلم من تركها وهجرها الجزاء الحسن، فإن ترك المذموم من الخلق الممدوح، ففعل المأمورات وترك المحظورات هو جماع الأخلاق التي أمر الله بها ودعا إليها أو أمر بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ودعا إليها أو مدح أهلها، وهذه هي العبادة التي خلق لها الثقلان في قوله سبحانه وتعالى " وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون" والمعنى هو أنهم يعبدونه سبحانه وتعالى بفعل المأمور من صلاة وصوم وأعظم ذلك توحيده والإخلاص له سبحانه وتعالى، وترك المحظور الذي نهى عنه وأعظم ذلك الشرك بالله ودعوة غيره معه وسائر أنواع الكفر والضلال، وهذه الأخلاق التي هي فعل المأمور وترك المحظور هي التي بعث الله تعالى بها الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام من عهد آدم أول رسول أرسل إلى أهل الأرض، وعهد نبى الله نوح عليه السلام الذي هو أول رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض بعد أن وقع فيهم الشرك إلى آخرهم إلى خاتمهم وأفضلهم رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فأبونا آدم عليه الصلاة والسلام رسول أرسل لأهل الأرض ونبي كريم شرع الله له التوحيد، وشرع له شرائع وسار عليها هو وذريته حتى وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام، فأرسل الله نوحا إلى أهل الأرض وهو أول رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض بعدما وقع الشرك فيهم، فدعا إلى توحيد الله عز وجل وأنكر الشرك بالله، وأقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته وترك الإشراك به ومعصيته.