مجدي درويش يكتب عن نبى الله نوح ” الجزء الثامن”
كتب مجدي درويش مصر وناسهاونكمل الجزء الثامن مع نبى الله نوح عليه السلام، وقد توقفنا مع درس عظيم يؤخذ من قصة نبى الله نوح الله عليه السلام وهو الأسلوب الذي تدرج فيه الشيطان اللعين مع قوم نوح عليه السلام، فإن الشيطان لم يطلب من قوم نوح عبادة غير الله، دفعة واحدة، ولو فعل ذلك، لما استجاب له أحد، لكنه تدرج معهم، فأوحى إلى قوم نوح، بوجوب صنع تماثيل لأولئك الرجال الصالحين تخليدا لذكراهم لأن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسر هذه أسماء رجال صالحون، فأوحى لقوم نوح بوجوب صنع أصناما بصورهم، تخليدا لذكراهم، فاستجاب القوم لوحي الشيطان، وبعد جيل من الزمان، بعد انقراض من تبقى من العلماء، أوحى لمن جاء بعدهم من الجيل الثاني إن آباءكم، ومن سبقوكم كانوا يعبدون هذه الأصنام، فاستجابوا لوحي الشيطان، ووقعوا في الشرك، ومن أعاد النظر وتأمل منكم في واقعنا، وجد أن جند الشيطان من شياطين الإنس تعلموا هذه الخطة نفسها، التي رسمها قائدهم الأول مع قوم نوح، وإن أعداءنا إذا تأملنا طريقتهم، نلاحظ أنهم ما أفسدوا ديار المسلمين، ولا أفسدوا أخلاق المسلمين وسلوكهم وتصوراتهم إلا عن طريق التدرج.
وأسلوب المرحلة بعد المرحلة، ودليلنا على ذلك أن ما تعانيه أمتنا من انحرافات في جميع المجالات، انحرافات في الأخلاق، وانحرافات في التصورات، وانحرافات في القضايا الاجتماعية، بل انحراف وبعد عن الإسلام في جميع شئونه، ولم يحدث كل هذا دفعة واحدة، وإنما تم على مراحل، وإن هناك أيضا قضية تستحق الوقوف عندها، ونحن نعايش قصة نبي الله نوح عليه السلام، وهي قضية الولاء والبراء، وهى مسألة الحب في الله والبغض في الله، والتي قد نزعت من قلوب غالب المسلمين، وهى الولاء للمؤمنين، والبراء من المشركين الكافرين أيا كانوا، وإن المسلم في حياته قد يبتلى بقومه أو أصدقائه أو حتى أهله، وقد يكون هو مسلما وأحد هؤلاء من الكفار، فماذا يكون موقفه؟ وما الواجب عليه؟ ولقد بين الله عز وجل المنهج واضحا في قصة نبى الله نوح الله عليه السلام لكل مسلم، وهو أن لا تأخذه العاطفة، أو يجره الشفقة، أيا كان ذلك القريب، وإن الرابطة هي رابطة العقيدة، وغيرها من الروابط لا بد تقطع، وقصة نبى الله نوح الله عليه السلام مع ابنه، والدرس الذي علمه الله عز وجل له، وهو التبري من ولده.
تشبه استغفار رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بعد هلاكه، وقوله "والله لاستغفرن له ما لم أنه عنك" فأنزل الله تعالى قوله فى كتابه الكريم فى سورة التوبة " ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" وقد روى الإمام أحمد في مسنده، من حديث أبي بريده عن أبيه، قال "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في سفر، فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه، وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم، وقال يا رسول الله مالك؟ فقال صلى الله عليه وسلم "إني سألت ربي عز وجل، في الاستغفار لأمي، فلم يُأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار" فما دلالة هذا أنه لم يأذن لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، أن يستغفر لأمه آمنة، ويعاتب، لأنه كان يستغفر لعمه أبي طالب، ويعاتب نبي الله نوح عليه السلام، لأنه سأل ربه نجاة ابنه المشرك من الغرق؟ وقد أكدت قصة نبى الله نوح الله عليه السلام على أن النسب والقرابة والرابطة الزوجية لا تشفع لصاحبها إذا أصر على الكفر بالله تعالى والصد عن سبيله فقد ضرب الله عز وجل، في كتابه العزيز مثلا للذين كفروا.
فقال تعالى " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين" إذ أنه كانت كل من إمرأة نبى الله نوح الله عليه السلام وإمرأة نبى الله لوط عليه السلام في عصمة نبيين صالحين من عباد الله، وكانت واعلة زوجة نبى الله نوح الله عليه السلام تعين قومها على زوجها حين كانت تتهمه بالجنون، إلى جانب أنها لم تؤمن بدعوته فكان ذلك الأمر بمثابة خيانة لزوجها ولذلك استحقت تلك المرأة العذاب من عند الله تعالى مع من كفر من قوم نبى الله نوح الله عليه السلام ولم تنفعها رابطة الزوجية مع رجل كانت مكانته عالية عند ربه في دفع العذاب عنها فكل إنسان مسؤول أمام ربه عن نفسه، وأن الله تعالى يُجري المعجزات على أيدي أنبيائه، ورسله الكرام تأييدا لهم في دعواهم أمام أقوامهم وإن المعجزة هي أمر خارق للعادة، تخترق قوانين الكون، وتجري بغير ما أَلفته النفوس، وتكون المعجزة مقترنة بالتحدي، وتستحيل معارضتها بالإتيان بمثلها، وقد كانت السفينة هي معجزة نبى الله نوح الله عليه السلام حيث أوحى الله إليه أن يصنعها.
اقرأ أيضاً
- مجدي درويش يكتب عن نبى الله نوح ” الجزء السابع”
- مجدي درويش يكتب عن نبى الله نوح ” الجزء السادس”
- مجدي درويش يكتب عن نبى الله نوح ” الجزء الثالث”
- مجدي درويش يكتب عن نبى الله نوح ” الجزء الثانى”
- حدث يوم عاشوراء .. نجاة نبي الله موسى وغرق فرعون وتفعيلا للإخاء الديني ونبذ الحقد والتنافر بين البشر
- 5 معلومات عن نبي الله "إدريس" بطل "خناقة" علي جمعة وزاهي حواس
حتى إذا جاء أمر الله، وفار التنور الذي كان مصنوعا من حجارة، علما أن الله تعالى جعل فوران الماء منه علامة على مجيء أمره، وقد أمر الله نوحا عليه السلام أن يحمل على السفينة من كل شيء حي زوجين ذكرا وأنثى، ولم يثبت عدد الذين حُملوا على السفينة في الكتاب، أو السنة، ثم أبحرت سفينة نبى الله نوح الله عليه السلام بهم عبر المياه المرتفعة، تدفعها الريح الشديدة مشكلة بذلك ما يشبه الجبال في علوها، وعظمتها، وقد روي عن ابن كثير أن طول الماء بلغ خمسة عشر ذراعا كما ورد عند أهل الكتاب، بينما ورد في رواية أخرى أنه بلغ ثمانين ذراعا، وأنه يشار إلى أن سفينة نبى الله نوح الله عليه السلام أنها كانت مصنوعة من الأخشاب، فقال الله عز وجل " وحملناه على ذات ألواح ودسر" فقد بدأ نبى الله نوح الله عليه السلام صناعة السفينة بأمر الله عز وجل له، حيث جلب الأخشاب، وصنع من مادتها الألواح، ثم وضع الألواح بجانب بعضها، وثبتها بالدسر، أي المسامير، وكان قومه كلما مروا عليه يسخرون منه؛ لصنعه السفينة على اليابسة، وتجدر الإشارة إلى أن زوجة نبى الله نوح الله عليه السلام وابنه كانا ممن تخلف عن ركوب السفينة بسبب كفرهم.
وعصيانهم لنبيهم، حيث دعا نوح عليه السلام ابنه إلى ركوب السفينة قبل أن تبحر في المياه، وكانت دعوته لابنه لعدم يقينه من كونه أحد الكافرين الذين كتب الله عليهم الغرق في الطوفان ظاناً بعودته عن الكفر، وقيل إنه كان يأمل من ابنه أن يراجع نفسه فيلتحق بالمؤمنين في السفينة، ويترك الكافرين، إلا أنه رفض الاستجابة لنداء أبيه بالانضمام إليه، والتجأ إلى المعزل الذي ظن أنه سيحميه من الطوفان بعيدا عن أهل الإيمان معتقدا أنه سينجو، إلا أنه لا عاصم من أمر الله تعالى في هذا اليوم العصيب سوى من كتب الله له النجاة برحمته، ولقد كانت عقوبة قوم نبى الله نوح الله عليه السلام الذين كفروا الغرق بالطوفان بسبب خطاياهم، ثم عقوبة النار في الآخرة، وبعد أن نجى الله تعالى نبيه نوحا عليه السلام، ومن معه، استوت سفينته على الجودي وهو جبل في الجزيرة كما روي عن مجاهد، وروي عن الضحاك أنه جبل في الموصل، وإنه استنادا إلى معظم المؤرخين والأكاديميين في مجال اللغات فإن التوراة التي تعتبر أقدم كتاب ديني قد ذكر قصة نبى الله نوح عليه السلام وهي في الحقيقة عبارة عن مجموعة من المخطوطات.
قد كتبت من قبل العديد من الكتاب وليس من كاتب واحد أو مصدر واحد، وإنها على الأغلب قد جمعت في القرن الخامس قبل الميلاد، ونتيجة الاختلاف في المصادر فإن التوراة تظهر شخصيتين متناقضتين لنبى الله نوح عليه السلام فتارة نرى نبى الله نوح عليه السلام، كرجل زاهد اختاره الخالق العظيم ليخلص البشرية من الدمار، وتارة أخرى نرى التوراة تصف نبى الله نوح عليه السلام كأول فلاح في البشرية وكان أول صانع للنبيذ، ويرى بعض المحللين إن هذا التناقض في وصف الشخصية قد يكون معناه أنه ربما حدث خطأ أثناء نقل الروايات وإن بطل قصة الطوفان قد يكون جد نوح واسمه بالعبرية أينوخ وبالعربية نوح وإن هناك احتمالا أن التشابه في العبرية بين اسمي نوح وآينوخ قد يكون سببا رئيسيا في هذا التناقض، وتشير الأبحاث الجيولوجية واستنادا إلى دراسة المتحجرات وطبقات علم الأرض إن هناك دلائل على حدوث فيضان في منطقة الشرق الأوسط في العصور القديمة ولكن الأبحاث لم تؤكد المعتقد الديني السائد أن الطوفان المذكور قد شمل جميع بقاع الأرض، وتشير دراسة المتحجرات إلى حدوث سلسلة من الفيضانات بين عامي أربعة ألاف إلى ألفين قبل الميلاد في ما كانت تسمى سابقا بلاد ما بين النهرين والتي كانت تشمل الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات بما فيها أراضي تقع الآن في سوريا وتركيا والعراق.