السبت 23 نوفمبر 2024 02:31 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    فتوي و دين

    مجدي درويش يكتب عن مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الأول ”

    مصر وناسها

    إن مكارم الأخلاق ضرورة إجتماعية عظيمة، لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، ولا أمة من الأمم، ومتى فقدت هذه الأخلاق التي هي الوسيط الذي لابد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، وتناهبوا مصالحهم، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار، ثم إلى الدمار، وإنه من الممكن أن تتخيل مجتمعا من المجتمعات انعدمت فيه مكارم الأخلاق كيف يكون هذا المجتمع؟ وكيف تكون الثقة بالعلوم، والمعارف، والأخبار، وضمان الحقوق لولا فضيلة الصدق؟ وكيف يكون التعايش بين الناس في أمن واستقرار، وكيف يكون التعاون بينهم في العمل ضمن بيئة مشتركة، لولا فضيلة الأمانة؟ وكيف تكون أمة قادرة على إنشاء حضارة مثلى لولا فضائل التآخي، والتعاون، والمحبة، والإيثار؟ وكيف تكون جماعة مؤهلة لبناء مجد عظيم لولا فضيلة الشجاعة في رد عدوان المعتدين وظلم الظالمين، ولولا فضائل العدل والرحمة والإحسان والدفع بالتي هي أحسن؟ وكيف يكون الإنسان مؤهلا لارتقاء مراتب الكمال الإنساني إذا كانت أنانيته مسيطرة عليه، صارفة له عن كل عطاء وتضحية وإيثار؟ ولقد دلت التجربات الإنسانية، والأحداث التاريخية، أن ارتقاء القوى المعنوية للأمم والشعوب ملازم لارتقائها في سلم الأخلاق الفاضلة، ومتناسب معه، وأن انهيار القوى المعنوية للأم والشعوب ملازم لانهيار أخلاقها، ومتناسب معه، فبين القوى المعنوية والأخلاق تناسب طردي دائما، صاعدين وهابطين، وذلك لأن الأخلاق الفاضلة في أفراد الأمم والشعوب تمثل المعاقد الثابتة.

    التي تعقد بها الروابط الاجتماعية، ومتى انعدمت هذه المعاقد أو انكسرت في الأفراد لم تجد الروابط الاجتماعية مكانا تنعقد عليه، ومتى فقدت الروابط الاجتماعية صارت الملايين في الأمة المنحلة عن بعضها مزودة بقوة الأفراد فقط، لا بقوة الجماعة، بل ربما كانت القوى المبعثرة فيها بأسا فيما بينها، مضافا إلى قوة عدوها، وإذا كانت الأخلاق في أفراد الأمم تمثل معاقد الترابط فيما بينهم، فإن النظم الإسلامية الاجتماعية تمثل الأربطة التي تشد المعاقد إلى المعاقد، فتكون الكتلة البشرية المتماسكة القوية، التي لا تهون ولا تستخذي، ولذلك كان من دعاء الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الأخلاق، فلقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على انتشار الأخلاق الحميدة في المجتمع المسلم، حتى عندما جاء الإسلام أقر بعض أخلاق الجاهلية التي تتوافق مع قيم الإسلام وألغى بعضها الآخر فكان من ضمن دعاء الرسول الدعاء بالخُلق الحسن فكان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم اهدني لأحسن الأعمال، وأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال، وسيء الأخلاق، فإنه لا يقي سيئها إلا أنت" وكان رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء" ويقول "اللهم جمل خُلقي كما جمّلت خَلقي" وإن من خصائص الأخلاق، هو التوازن بين مطالب الروح والجسد فلا تمنع حاجة الجسد من الشهوات والرغبات بل تضعها في إطارها الشرعى.

    فقال الله تعالى فى كتابه الكريم " قل من حرم زينة الله التى أخرج لعبادة والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون" فمن حق الإنسان في إشباع رغباته بالضوابط الشرعية مع إشباع الروح بالذكر والطاعة والعبادة، وإن الأخلاق الإسلامية صالحة لكل إنسان ولكل زمان ومكان مع اتصافها بالسهولة واليسر ورفع الحرج، فيقول الله تعالى " وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج" وكذلك لا يحكم على الأفعال بظاهرها فقط ولكن تمتد إلى النوايا والمقاصد والبواعث التي تحرك هذه الأفعال الظاهرة فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات" وإن من مبادئها أن تقنع العقل وترضي القلب، فما من نهي شرعي إلا معه مسوغات ودوافع تحريمه، ويعرف الخلق في اللغة العربية بالطبع والسجية لأن صاحبها قد قدر عليه، وفي مقولة أخرى هي الدين والمروءة، حيث قال العلامة ابن فارس الخاء واللام والقاف أصلان، أحدهما تقدير الشيء، والآخر ملامسة الشيء، والأخلاق في الاصطلاح هي هيئة راسخة في النفس، يصدر عنها العديد من الأفعال بشكل سهل ومُيسّر، دون الحاجة للتروي أو التفكير، فمن الممكن أن يصدر عن هذه الهيئة أفعال مذمومة أو محمودة، فتعتبر الأخلاق الإسلامية من سمات المؤمنين الصالحين، حيث تساعدهم على تجنب الوقوع في العيب، واللوم، والنقد، ولا تجعل صاحبها يميل إلى الخطيئة أو الإجرام، لأن الأخلاق تعتبر من الهدي النبوي، والوحي الإلهى.

    وهي خُلق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتعتبر مكارم الأخلاق بناء شيده أنبياء الله الكرام عليهم السلام، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتمم ذلك البناء، من أجل أن يكتمل صرح مكارم الأخلاق، كما أن امتلاك الإنسان للأخلاق دون امتلاكه للدين هو أمر لا فائدة منه، وتتبين أهمية الأخلاق بالإسلام لعدة أمور، منها اختيار الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن تكون الغاية من بعثته هي الدعوة لمكارم الأخلاق، فقد بيّن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب مدى أهمية الخُلق، بالرغم من وجود العديد من الأمور الأهم من الأخلاق مثل العقيدة، والعبادة، إلا أن الخُلق يبرز بشكل أكبر أمام الناس أكثر من سائر الأعمال الإسلامية، حيث إن الناس لا يستطيعون رؤية عقيدة الإنسان لأن مكانها بالقلب، كما أنهم لا يرون العبادة، إلا أنهم يرون الأخلاق ويتعاملون من خلالها، لذا سيقوم الناس بتقييم دين الإنسان بالنظر لتعامله معهم، ويحكمون على صحته من خلال خُلقه وسلوكياته، وكذلك تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق، لأنه ليس خُلق مجرد بل عبادة يؤجر العبد عليها، وهو من الأسس التي يتفاضل الناس بها يوم القيامة، والدليل قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " إن أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن