السبت 23 نوفمبر 2024 02:34 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    فتوي و دين

    مجدي درويش يكتب عن نبى الله لوط ” الجزء الخامس ”

    لوط عليه السلام
    لوط عليه السلام

    ونكمل الجزء الخامس مع نبى الله لوط عليه السلام، وقد توقفنا مع موطن نبى الله لوط عليه السلام، حيث تثبت وجود طرق وممرات على طول امتداد الشاطيء الشرقي للبحر الميت، فقد كان أهل الجزيرة العربية يسلكون إلى بلاد الشام طريق الشاطئ الشرقي للبحر الميت عبر وادي الأردن والحاصل أن العرب كانت تعرف موقع قرى قوم لوط بل أتوها ورأوها، وزيادة، أنهم لم يعتبروا ولذا أنكر القرآن الكريم عليهم الرؤية مع عدم الاعتبار، ولهذا، وفي موضع آخر، فإن القرآن الكريم يسألهم صراحةً عن مدى عقلانيتهم وقدرتهم على استنباط العبر منهم، فهو يسألهم أليس لكم فيكم عقول تعتبرون بها؟ ولو لم يكونوا يعرفون تلك القرى ومواقعها لما أنكر عليهم عدم تفكرهم في عقاب الله للظالمين، وإن ملخص ما قاله العلماء في ذلك، والمشهور عندهم أن قرى قوم لوط في منطقة غور الأردن، حيث مدائنهم سدوم هي بِغور زغر من البلاد الشامية، وزغر، قرية بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام في طرف البحيرة المنتنة، وهي موجودة جنوب حوض البحر الميت الجنوبي، وقد نزل لوط إذن بالأردن ثم أرسله الله تعالى إلى أهل سدوم، وهي عدة قرى، وبلادهم تلك ما بين الشام والحجاز بناحية زُغر.

    وأن هناك فريق ثالث يأخذ من الإسرائيليات وغيرها، مما لا يثبت يقينا فيزيدون مثلا على كون لوط عليه السلام سكن في مدينة سدوم، وأنها كانت مدينة كبيرة عامرة تقع على ضفاف بحيرة طبرية شديدة ملوحة المياه، وأن تربتها كانت شديدة الخصوبة، وأن سدوم قد أحاطتها أربع ممالك انتشرت حولها هي عامورا ودوما وصبعة وصعوة، وكذا فقد أنشأت فيما بينها حلفا برئاسة ملك سدوم واسمه بارع، وعلى كل مدينة سور عظيم مبني من الحجارة والرصاص، وكانت سدوم آنذاك أكبر تلك الممالك حيث كانت مركزا تجاريا ومحطة للمسافرين بسبب موقعها، وقدروا عدد سكانها بحوالي أربعة آلاف شخص، ويُقال بأن البحر الميت حدث من الزلزال الذي جعل عاليها سافلها، وصارت أخفض من سطح البحر بنحو أربعمائة متر، وأنه تم اكتشاف آثار مدن قوم لوط على حافة البحر الميت، وكما يُعتقد أن بأن المكان الذي عاش فيه قوم لوط عليه السلام ما زال موجودا، وهو عبارة عما يحيط بـبحيرة مغلقة تقع على الحدود بين المملكة الأردنية الهاشمية شرقا، وفلسطين غربا، وقد عُرف عبر التاريخ بأسماء مختلفة، فعند اليهود عرف بإسم بحر الملح، وعند الرومان قد عرف بإسم بحر الأسفلت، وعند الإغريق عرف بإسم البحر الميت.

    أما عند العرب، فهو بحيرة لوط عليه السلام، وقد ورد ذكر لوط في القرآن الكريم سبعه وعشرين مرة وفي مواضع متفرقة من القرآن الكريم، وقد ورد معظمها في الأغلب في سياق سلسلة الأنبياء المتعاقبين وهم نوح، هود، صالح، وشعيب عليهم جميعا الصلاة والسلام، وقد ذكر العلماء أن هؤلاء الأنبياء يمثلون الدورة المبكرة للنبوة كما هو موجود في القرآن الكريم، وتتبع هذه الروايات عادة أنماطا متشابهةً حيث يتم إرسال نبي إلى مجتمع، لا يهتم المجتمع لتحذيراته بل يهدده بالعقاب، فيطلب الله تعالى من النبي أن يترك المجتمع ويدمر أهله فيما بعد، وملامح القصة تختلف من سورة لسورة، لكنها كلها تقريبا تشمل نفس المواضيع العامة، وهي بيان انحراف قومه وشذوذهم، وكذلك دعوته إياهم للطهارة والعفة من تلك الأفعال القبيحة المنكرة، وأخيرا بيان رفضهم لتلك الدعوة وإنزال العذاب بهم، وتتكرر هذه الحالة في ثماني مرات، ففي سورة الأعراف تحدثت فيها الآيات عن إنكار لوط على قومه إتيانهم الذكران من دون النساء، وقد أتبع ذلك ردهم عليه بالمطالبة بإخراجه فقط لأنهم يتطهرون، وقد حكت بعد ذلك الآيات تدمير القوم المسرفين وإنجاء الله لنبيه لوط عليه السلام وأهله والمؤمنين الذين معه.

    وفي سورة هود قد تذكر الآيات بعضا من ملامح أخرى من قصة لوط متقاطعة مع قصة نبى الله إبراهيم عليه السلام، وتوضح الآيات أيضا حلول الملائكة ضيوفا على إبراهيم وهو لا يعرفهم، وإخبارهم له أنهم ذاهبون للتدمير النهائي لقرية أهل لوط، وحينها، جادل نبى الله إبراهيم عليه السلام معهم لتأخير التدمير لعل قوم لوط يؤمنوا، وامتدح الله تعالى خليله إبراهيم ونعته بالحلم والأوه والإنابة، ثم عاتبه بشكل لطيف مخبرا إياه أن الأمر قد آن أوانه وأنه لا يرد عنهم العذاب ثم أخبرت الآيات عن مجيء الملائكة إلى لوط في صورة رجال حسان، وأنه ضاق بهم لِما يعلمه من شذوذ قومه وظنه أنه سيأتون ليأخذوا ضيوفه ثم واجههم لوط عليه السلام ودافع عن ضيوفه وقد أعلمته الملائكة بعد ذلك أنهم ملائكة من عند الله تعالى وأنه يجب أن يسري بأهله المؤمنين ليلا لأنه على وقت الفجر، سينزل عليهم العذاب وسيتم تدميرهم بقلب قراهم ورميهم بحجارة من سجيل، وفي سورة الحجر كذلك، اتصلت قصة نبى الله لوط عليه السلام مع قصة نبى الله إبراهيم عليه السلام وذلك في سياقِ ذي آيات أقصر، ومرة أخرى، تحاور الملائكة إبراهيم عليه السلام، حيث استنكرهم إبراهيم عليه السلام بادئ الأمر ثم لما علم شأنهم، سألهم عن مهمتهم.

    فأخبروه أن الله تعالى أرسلهم لتدمير المجرمين وهم قوم لوط عليه السلام وذكرت الآيات بعد ذلك وصول الملائكة إلى لوط عليه السلام، وكذلك طلبهم أن يسري بأهله ليلا لأن الدمار واقع بقومه عند الصبح، وأيضا هجوم قومه يريدون اللواط مع ضيوفه، ودفاع لوط عنهم ثم أخيرا، وتشنيع لهم ثم الصيحة بهم وقت الشروق وتدميرهم بيوتهم وترك مواقعهم وآثارهم لمن طلب علامات أو عبر، وفي سورة الشعراء، تحدثت السورة بشكل متسارع عن دعوة لوط عليه السلام قومه للتقوى وترك إتيان الذكران وتوبيخهم على ترك ما خلق الله من الأزواج، مقررا ومنكرا عدوانهم وطغيانهم، فهدده قومه بعد ذلك بإخراجه، فأنذرهم وتبرأ من عملهم، ثم أتى تدمير القرية بمطر السوء مع الإشارة بوضوح إلى ترك الآية والعبرة للاتعاظ لمن بعدهم، وفي سورة النمل، وبشكل موجز تمثَل في خمس آيات وقد ذكرت تلك الآيات إنكار لوط على قومه الشذوذ معرضا بشكل صريح بعدم إعمال عقولهم وبجهلهم، ومرة أخرى، يهددون بإخراجه هو وأهله من القرية فقط لأنهم يحبون التطهر، ثم حكت الآيتان التاليتين إنجاءه هو وأهلَه إلا امرأته العجوز، فقد أهلكت مع من أهلك بالمطر المهلك، وفي سورة العنكبوت، قد تداخلت قصة لوط عليه السلام

    مجددا مع قصة إبراهيم عليه السلام، ويقرر لوط عليه السلام في السورة كما في الأعراف أن تلك العادة القبيحة المستنكرة وهو إتيان الذكران لم يسبقهم لها أحد من قبل، وينهاهم فيها عنها وكذلك ينكر عليهم بعض جرائمهم الأخرى، ومنها قطع الطريق وإتيان المنكرات في أنديتهم ثم ذكرت القصة أنهم كذبوه وطلبوا العذاب واستعجلوه في استهزاء واستخفاف، وهنا يدعوا لوط عليه السلام ربه بالنجاة من هؤلاء الفسدة، في حين كانت الملائكة تحدث إبراهيم عليه السلام في تدمير قوم لوط وهنا أبدى إبراهيم عليه السلام قلقه على لوط عليه السلام لكن الملائكة طمأنته بإخباه بإنجاء لوط عليه السلام وأهله مع المؤمنين، وأخبرت الآيات التي تلي ذلك عن ضيق لوط الشديد لما أتته الملائكة وأعلمته بإهلاكهم بسبب فسقهم وفجورهم، ومرة أخرى تنبه الآية الأخيرة على ترك آية لمن يُعمل عقل ومن يتعظ بعدهم، كما تقَرَّر في السورة أيضا وقبل أي شيء إيمان لوط بإبراهيم وهجرته معه، وفي سورة الصافات تتحدث الآيات عن إنجاء الله للوط وأهله المؤمنين وتدمير قومه الكافرين، في إجلاء للصورة التباينية كذلك، فقد لفتت نظر العرب الذين بمرون على ديارهم أثناء سفرهم للتجارة، ودعوتهم للاعتبار، وفي سورة القمر

    وردت الآيات متحدثةً عن تكذيب قوم لوط عليه السلام، وتعذيب الله لهم، وكذلك إنجائه لوطا وأتباعه، وأيضا، تذكر مراودة قومه له عن ضيوفه، مع وجود عذاب وقتي حل بهم، وهو طمس الأعين، في سورة التوبة إشارة ضمنية في إحدى الآيات إلى تدمير قرى قوم لوط، وجاءت بلفظ المؤتفكات، وفي سورة الفرقان قد لُمِّح إلى قريتهم التي أمطرت مطر السوء، مع لوم واضح لمشركي مكة العرب الذين لم يتعظوا أو يأخذوا عبرا من ذلك مع مرورهم على مساكنهم، وفي سورة الأنبياء قد أشير إلى لوط، وكذلك إلى نجاته من التي كانت تعمل الخبائث، وفي سورة الذاريات قد أشارت الآيات إلى لوط وإلى قومه دون أن تسميهم ألبتة، ولكن يُفهم من سؤال إبراهيم عليه السلام عن مهمة الملائكة وإبلاغهم له أنهم سيدمرون قريةً مسرفة ليس فيها إلا بيت واحد من المسلمين المؤمنين، يُفهم أنهم متوجهون إلى قرية لوط لإهلاك قومه وإنجاء لوط وأهله وفي سورة النجم، إشارة أخرى إلى المؤتفكة التي أهوى به الله وغشَّاها من العذاب نصيبها التي تستحق، وأخيرا، فقد ذكر اسم لوط عليه السلام في سورة التحريم، ولكن ليس بشخصه، إنما ذكرت امرأة لوط مع امراة نوح كمثل للمرأة الكافرة، ومشيرة إلى أن الفاسد فاسد، وأن هلاكه حتمي، ولا ينفعه في ذلك الزواج أو الاقتران عموما أو القرابة بشخص صالح.