السبت 23 نوفمبر 2024 03:05 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    فتوي و دين

    مجدي درويش يكتب عن نبى الله لوط ” الجزء الثانى ”

    لوط عليه السلام
    لوط عليه السلام

    ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله لوط عليه السلام، ومع قوم لوط الذين جاءوا بالفاحشه، وقد ورد في الحديث عن ابن عباس مرفوعا " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وذهب الإمام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللائط يُقتل سواء كان محصنا، أو غير محصن، عملا بهذا الحديث، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يُلقى من شاهق، ويُتبع بالحجارة كما فعَل الله بقوم لوط، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، واعلم أن الصحابة رضي الله عنهم، لم يختلفوا في أن حكم من فعل تلك الفاحشة القتل، ولكن اختلفوا في كيفيته، وإليك ما قاله الإمام الشوكاني رحمه الله حول عقوبة من فعل ذلك فقال وما أحق مرتكب هذه الجريمة، ومقارف هذه الرذيلة الذميمة، بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويُعذب تعذيبا يكسر شهرة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبَقهم بها من أحد من العالمين، أن يَصلى بما يكون في الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بِكرهم وثيبهم، وإن نبى الله لوط عليه السلام، كان يُعرف باسم لوت في العهد القديم، وهو نبي من أنبياء الله، ورسول من رسله الكرام صلوات ربى وسلامه عليهم أجمعين.

    ولم يخبر القرآن الكريم عن نسبه، بل، أخبر القرآن أنه آمن بإبراهيم الخليل عليه السلام وذلك لما كان إبراهيم عليه السلام يدعو قومه إلى الله في بلاد العراق، ولقد قص لنا القرآن الكريم كذلك استجابته لدعوة نبى الله إبراهيم عليه السلام، وإيمانه له وسيره معه، وكذلك أنه لما هاجر نبى الله إبراهيم من العراق إلى فلسطين كان لوط معه، ولما وصل إبراهيم ولوط عليهما السلام إلى فلسطين، أرسل لله لوطا نبيا إلى مدينتي سدوم وعمورة ليذكر أهلها بعبادة الله تعالى وينهاهم عن فعل المنكرات وأعمالهم الشهوانية، كإتيان الرجال شهوة من دون النساء، وكانت تلك الفعلة غير مسبوقة من الأمم التي مضت مثلما ذكر القرآن الكريم، وقد حصل ذلك على الرغم من أن نبي الله لوط عليه السلام لم يولد في القرية التي أرسل إليها مثل باقي الرسل إلا أن القرآن الكريم ذكرهم بإسم إخوانه، وتتفق القصة المذكورة في التوراة مع ما سرده القرآن الكريم بأن دعوات نبى الله لوط لقومه تم تجاهلها مما تسبب لهم في العذاب وخسف قريتهم، وكذلك، يذكر العلماء أن نبى الله لوط قد رافق عمه في رحلاته، فكان معه في حران، ثم في مصر، وأغدق عليه ملِك مصر، كما أغدق على نبى الله إبراهيم عليهما السلام فكثر ماله ومواشيه، ولم يتناول القرآن الكريم حياة نبى الله لوط عليه السلام بعد ذلك.

    إلا أن الإسلام وضح لنا أن جميع الأنبياء كانوا أمثلة على البر الأخلاقي والروحي وذلك على عكس ما تم ذكره في التوراة من سكر وسفاح بعد تدمير سدوم، وكان قوم نبى لوط عليه السلام هم الذين آتوا بفاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين، فإبراهيم عليه السلام لما خرج من مصر، اصطحب معه في سفره لوط عليه السلام، ورجعا من مصر بمال كثير وخير وفير، ونزلا بأرض فلسطين تلك الأرض المقدسة ثم ضاقت بأنفسهما بقعة الأرض التي نزلاها، فنزح لوط عليه السلام عن محلة إبراهيم عليه السلام واستقر به المقام بمدينة سدوم، وقد كان أهلها ذوي أخلاق فاسدة ونوايا سيئة، لا يتعففون عن معصية، ولا يتناهون عن منكر فعلوه، وكانوا من أفجر الناس وأقبحهم سيرة وأخبثهم سريرة، يقطعون الطريق ويخونون الرفيق ويتربصون لكل سار، فيجتمعون عليه من كل حدب وصوب، ويسلبونه ما حمل ثم يتركونه يندب حظه ويبكي ضياع ماله، لا يردهم عن ذلك دين ولا يصدهم حياء ولا يتعظون لواعظ ولا يستمعون لنصيحة من عاقل، وقد ابتدعوا فاحشة لم يسبقوا إلى ارتكابها من أحد من العالمين، وتعاطوا محرما ما كان يدور بخلد أحد اقترافه، فكانوا يأتون الذكران من العالمين.

    ويتركون ما خلق الله لهم من النساء فلا يقربوهن، وليتهم ستروا بليتهم أو حاولوا الخلاص من ثمارها والبعد عن شرها، ولكنهم كانوا يحملون الناس على مشايعتهم، ويدعونهم إلى الأخذ من قليبهم والقليب هو البئر، أي يعملون مثل عملهم، أو يشربون مما يشربون منه، وتمادوا في ضلالهم حتى فشت المنكرات بينهم وكثرت الموبقات بينهم، وأشربت قلوبهم حب الفاحشة، ولما أصاب القوم ما أصابهم، واستحبوا الضلالة على الهدى، وآثروا الغواية على الرشد، واستحوذ عليهم الشيطان يستميلهم إلى المعاصي ويزين لهم الشهوات، أوحى الله عز وجل إلى لوط عليه السلام أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهاهم عن ارتكاب هذه الجرائم، فدعاهم وأعلن بينهم رسالته، ولكن آذانهم لم تسمع لقوله، وعيونهم عميت عن الحق، وقلوبهم غلقت فاندفعوا في شرورهم، واستمروا على فجورهم وتمادوا في طغيانهم، ولم يرتدعوا عن غيهم، بل حدثتهم نفوسهم الأمارة بالسوء، وسولت لهم عقولهم التي أضاعها العبث وتملكها الشر أن يخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم، فتوعدوه ومن معه بالإبعاد عن قريتهم، ولم يرتكب جرما إلا بعده عن مساوئهم، ولم يقترف إثما، إلا أنه تطهر من دنسهم ولم يسر في طريقهم ونأى عن قبائحهم.

    ودعاهم إلى صراط الله المستقيم، ولما رأى منهم ميلا وابتعادا عن طاعة الله، خوفهم بأس الله وعذابه، فلم يأبهوا لتحذيره واستخفوا بوعيده، فألح عليهم بالعظات، وأنذرهم سوء العاقبة، ولكنهم لم يقلعوا عما كانوا فيه، بل ازدادوا تعلقا به ورغبة فيه، وتحدوه أن العذاب لن ينزل عليهم، وأن الله لن ينزل بهم ما يستحقون من عقاب، وبعد ذلك سأل لوط عليه السلام ربه أن ينصره على هؤلاء القوم المفسدين، وأن يوقع بهم العذاب الأليم، وطلب إليه أن يخزيهم على كفرهم وعنادهم ويعاقبهم على بغيهم وفجورهم، فهم الداء الوبيل الذي يخاف انتشاره، والعضو المريض الذي لابد من استئصاله، فإنهم عاثوا في الأرض فسادا، وصدوا عن سبيل الله، فاستجاب الله عز وجل دعاء لوط عليه السلام، فبعث ملائكته إلى هذه القرية الظالم أهلها، لينزلوا بهم ما يستحقون من عقاب، فنزلوا أولا بدار إبراهيم عليه السلام، فحسبهم عابرى سبيل، فقدم لهم خير ما يقدم للأضياف، ولكن أيديهم لم تمتد إلى قراه، فنكرهم وأوجس منهم خيفة، قالوا لا تخافوا، ولم يزالوا بالمكان حتى بشروه بغلام عليم، ثم سألهم إبراهيم عليه السلام ما خطبكم أيها المرسلون؟ قالوا، إنا أرسلنا إلى قوم لوط الذين لم يستجيبوا لدعوته فكانوا من المجرمين، وسننزل بهم عذابا أليما وبأسا شديدا.

    فحزن نبى الله إبراهيم عليه السلام لذلك، وأخذ يجادلهم في قوم لوط، ويرجو تأخير البلاء وتأجيل وقوع العذاب، ولعله كان يأمل منهم الإنابة إلى الله والإقلاع عما يرتكبون من الذنوب والرجوع عما يقترفون من الفواحش، وقد يكون إبراهيم عليه السلام قد خاف أن يُمس لوط بأذى وهو مؤمن منكر لما يرتكبون، فهو لا يستحق العذاب، فأمره الملائكة أن يهون على نفسه وأخبروه أن لوطا لن يصيبه أذى ولن يمسه عذاب، وسيكون هو وأهله من الناجيين، إلا امرأته فإن هواها معهم ورأيها تبع لرأيهم، ثم ذهبت الملائكة إلى أرض سدوم في صورة شبان حسان، وفيما هم يهمون بدخول هذه القرية عرضت لهم جارية تستسقي الماء لأهلها، فسألوها أن تضيفهم، فأشفقت من قومها عليهم، واستضعفت نفسها عن حمايتهم، وأرادت أن تستنجد بأبيها في الدفاع عنهم، فأمهلتهم حتى تذهب إليه فتستشيره في أمرهم، وأتت أباها، فقالت يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم قط أصبح من وجوههم، وأخاف أن يعلم بأمرهم قومك فيفضحونهم، وفي بعض الروايات أنهم وجدوا ابنة لوط عليه السلام فدلتهم على بيت والدها، فلما رآهم لوط عليه السلام دهش لهذه المفاجأة، فأخذ يسأل ابنته يسألها عن شأنهم، ويستلهمها خير السبل التي ينتهجها.

    وأفضل الطرق التي يتبعها، ولعله قد تردد في السعي لاستقبالهم، وحار في قبول ضيافتهم، وحدثته نفسه أن يبعث إليهم بعذره، وأن يطلعهم على أمره، فيكفوه مدافعته لقومه ويتركوه وشأنه، ولكن دفعته المروءة فاستصغر هذه الصعاب، وخرج إليهم خفية، يريد أن لا يراه قومه ويحاول أن يصل إلى ضيوفه قبل أن يعترضوا طريقه ويصدوه عن سبيله، فقد حالوا بينه وبين العالمين، وأمروه أن لا يستضيف أحدا، فتسلل لوط عليه السلام خفية وسار حتى التقى بالملائكة، فاستقبلهم ببشره، وتلقاهم بوجهه، ثم دعاهم إلى بيته، ولكن الوساوس جاشت في نفسه،والمخاوف دبّت في قلبه، فضاق ذرعا مخافة أن يعلم قومه بنزولهم عنده، فيهّبوا مسرعين إليه وهو ليس في منعة منهم، أو عصبية تمنعه من اعتدائهم، فلما دخل بهم داره مع كتمانه لأمرهم خوفا أن يتسرب إلى القوم خبرهم، إلا أن امرأته كانت تساير القوم في طريقتهم، فأفشت خبرهم، وأعلمت قومها بأمرهم، فجاؤوا إليه مسرعين، وأقبلوا عليه مستبشرين، وفزع لوط حين رأى القوم قد اجتمعوا يريدون الفاحشة ويرغبون في المنكر، فناشدهم تقوى الله، ودعاهم إلى ستر مخازيهم، والكف عن مساوئهم، ولكنهم جميعا فجرة سفهاء لم يستمعوا توسله ولم ينزلوا على إرادته.