السبت 23 نوفمبر 2024 02:16 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    فتوي و دين

    مجدي درويش يكتب عن نبى الله لوط ” الجزء الأول ”

    لوط عليه السلام
    لوط عليه السلام

    إن رأس المال الذي لا غنى عنه لعبد في كل وقت، هو تحقيق العبودية وتمحيص التوحيد لله سبحانه وحده لا شريك له، فعلى ذلك فطر الله الناس، وبذلك أمرهم، ولأجل ذلك بعث المرسلين فى كل أمة وجدت على وجه البسيطة فقال الله تعالى فى سورة النحل " ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " ولذا كان كل نبي يبعثه الله تعالى إلى قوم، يبادر إلى أمرهم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، قائلا لهم فى سورة الأعراف " اعبدوا الله ما لكم من إلة غيرة " وبعد بيان ذلك وإقامة البراهين عليه، يعرج كل نبي على أبرز المعاصي والمخالفات التي يقع فيها قومه، فيحذرهم منها، ويبين لهم عاقبتها وخطورة أمرها، فمن تاب وأناب، تاب عليه ربه وأنجاه كمال قال تعالى فى سورة فصلت " ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " ومن كفر واستكبر، وطغى وتجبر، وعصى المرسلين، واستمر في غيه وعدوانه، فقد حاق به العذاب الأليم بصنوف وأشكال يقدرها الله القوي العزيز، كما قال الله تعالى " ولا يظلم ربك أحدا " وقال الله تعالى فى سورة العنبكون " فكلا اخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذنه الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "

    وقد حكى الله تعالى لأمة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم قَصص أولئك الأقوام الذين عصوا ربهم واستكبروا، لتحذر ذلك المصير، وتأخذ العظة والعبرة، ومن أولئك الأقوام العصاة، الذين نزل بهم بأس الله الشديد، قوم كفروا بربهم، وزادوا على الكفر بإرتكاب فاحشة لم يسبقوا إليها، وخالفوا فيها الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها، فوقعوا في تلك الفاحشة العظيمة والفعلة القبيحة، التي تأنف منها المخلوقات، حتى البهائم والعجماوات، ولم تصنع صنيعهم، ولم يزل نبيهم عليه السلام يحذرهم وينذرهم، ويذكرهم بربهم، ويبين لهم شناعة ما اقترفوه وولغوا فيه، فمرة يقول لهم كما فى سورة الأعراف " أتأتون الفاحشه ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرون " ومرة يقول كما قال تعالى فى سورة النمل " أتأتون الفاحشه وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون " ولكنهم لم ينتهوا، بل طغوا واستكبروا وتحدوا فقال الله تعالى فى سورة النمل " فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " فلما نكصوا على أعقابهم، وأصروا على كفرهم ومعصيتهم، جاء القدر المقدور.

    والأمر الذي لا يرد من رب العالمين، فعذبوا وأهلكوا بعذاب لم يسبق مثله لأمة من الأمم جزاء لهم على كفرهم وفعلهم هذه الفاحشة التي لم يسبقوا إليها فقال الله عز وجل فى سورة هود " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد " وقال الإمام ابن كثير رحمه الله "يقول الله تعالى " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها " وأمطرنا عليها حجارة من طين معدة لذلك، قوية شديدة يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم، وفي رواية عن قتادة وغيره، قال بلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح، نشر جناحه، فانتسف بها أرضهم بما فيها من قصورها، ودوابها، وحجارتها، وشجرها، وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب، ثم قلبها، فأرسلها إلى الأرض منكوسة، ودمدم بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل، وذكروا أنها نزلت على أهل البلد وعلى المتفرقين في القرى مما حولها، فبينا أحدهم يكون عند الناس يتحدث إذ جاءه حجر من السماء، فسقط عليه من بين الناس، فدمره، فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد، حتى أهلكتهم عن آخرهم.

    فلم يبق منهم أحد " وإن مما قدره الله تعالى أن أناسا من هذه الأمة، يقعون في تلك الفعلة العظيمة والفاحشة الشنيعة، ولما كان فعل قوم لوط أعظم الفواحش وأضرها على الدين والمروءة والأخلاق، فهو داء عضال، متناه في القبح والشناعة، وهو شذوذ عن الفطرة وانحراف عن الجادة، يمجه الذوق السليم، وتأباه الفطرة السوية، وترفضه وتمقته الشرائع السماوية لما له من عظيم الأضرار، وما يترتب عليه من جسيم الأخطار، فآثاره السيئة يقصر دونها العد، وأضراره المدمرة لا تقف عند حد، فشأنه خطير، وشره مستطير، يفتك بالأفراد، وينهك المجتمعات، ويمحق البركات والخيرات، ويتسبب في وقوع العقوبات وحلول النكبات، لما كان الأمر كذلك، فإنه ليس من بِدع القول أن يتكلم فيه خطيب، أو يتحدث في خطره داعية، فنصوص القرآن والسنة جاءت فيه محذرة، ومن عقوبته منذرة، كما تكلم فى ذلك السلف الصالح، وألف فيه العلماء مؤلفات وكتبا، ويكفي من ذلك كله أن القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك الفعل وذكر عقوبة من وقَع فيه في آيات عدة، تتلى إلى يوم القيامة، وكذلك فإن لذلك الفعل القبيح أضرارا تعود إلى الدين وإلى النفس والخلق.

    فيقول الإمام ابن القيم رحمه الله "نجاسة الزنا واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات، من جهة أنها تفسد القلب، وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركا" وإن من الأضرار الخلقية لتلك الفاحشة، هو قلة الحياء، وسوء الخلق، وقسوة القلب، وقتل المروءة والشهامة، وذهاب الغيرة والنخوة والكرامة وإِلف الجريمة والتساهل فيها، وانتكاس الفطرة، وذهاب الجاه وسقوط المنزلة، وسواد الوجه وظلمته، حتى ليكاد يعرف من يقوم بهذا الفعل، وإن من أضرارها على المجتمع هو حلول العقاب إذا ظهر هذا الأمر، ولم ينكر، وزوال الخيرات ومحق البركات، وشيوع الفوضى وتفسخ المجتمع، وتفكك الأسر، وعزوف الرجال عن الزواج، وقلة النسل، ومن أضراره أيضا هو ظهور الأمراض والأوجاع التي لم تكن فيمن سبق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" رواه ابن ماجه، وإن لها أيضا أضرار على النفس بملازمة الحزن والقلق، ووجود الوحشة والاضطراب، وخوف العقاب والفضيحة.

    إلى غير ذلك من الأضرار التي يقدرها الله تعالى لمن ارتكست فطرته، وزالت غيرته، واستهان بمعصية ربه، وإن للوقوع في هذه الفاحشة أسباب تجر إليها، ومن ذلك هو ضعف الإيمان الذي يعمر القلب ويمنعه من المعصية، ومن ذلك ترك الصلاة أو التهاون فيها، فالله تعالى يقول فى سورة العنكبوت " " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " وإن للفراغ دور كبير يكمله وجود الصحبة السيئة التي تحسن القبيح وتهيئه، وإن من أسباب الوقوع في تلك الفاحشة هو ضعف الشخصية والإرادة، والطيبة الزائدة، ولا سيما من الأحداث ونحوهم، وكذا مبالغة الصغار في التجمل وإظهار المفاتن والتعري، والتساهل في ستر العورة، ومن ذلك أيضا هو مشاهدة الأفلام والمشاهد، وسماع الأغاني التي تثير الغرائز، وتذهب الغيرة، وأيضا إطلاق النظر في الحرام، وكثرة المزاح المسف، والتساهل في الحديث في مثل هذه الفواحش، فكم جر الحديث فيها من بلاء، بل إن ذلك من إشاعة الفحشاء المتوعد عليها ويقول الله تعالى فى سورة النور " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشه فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخره " ومن ذلك اختلاط الكبار بالأحداث واجتماعهم على ما حرم الله تعالى.

    ولا سيما إذا كان في خلاء أو بين الجدران، في شقة أو استراحة مشبوهة، وكذا تبادل الصور المثيرة، والتفاخر بفعل هذا العمل القبيح، وجر الأحداث إلى ذلك، وإن من أكبر أسباب ذلك هو إهمال الأولاد وتركهم يسرحون ويمرحون مع من شاؤوا، كبارا كانوا، أم صغارا، صالحين أم طالحين، وإن العجب لا ينقضي من أب ينام مطمئن البال قرير العين وابنه مع ثلة فاسدة، أو يتسكع في الشوارع مع رفقة تلوح على وجوههم سيم الفساد ونظرات الريبة، بل ويتغامزون ويتهامسون بما يسر الشيطان ويبغضه الرحمن، والمشتكى إلى الله، وإن من أسباب الوقوع في تلك الفاحشة هو تفكك البيوت، ووجود الطلاق أو الشقاق بين الوالدين، ومن ذلك غفلة الصالحين والمعلمين، وأئمة المساجد والدعاة عن التنبيه على هذا المنكر العظيم بالأسلوب الحسن، وأعظم من ذلك التغاضي عن مثل تلك الممارسات، وترك الحزم في مواجهتها وفق المنهج الشرعي في علاجها، فاحذر ذلك الصنيع واسمع ما قاله الإمام ابن كثير رحمه الله معلقا على قول الحق سبحانه وتعالى " وما هى من الظالمين ببعيد " أي وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ببعيد عنه.