”عمرو” يتحدى ظروفه زاحفا على الأرض لبيع كروت شحن بالقطار
حرر سامح إسماعيل مصر وناسهافي السابعة صباحا، ينهض "عمرو"من غفوته مبكرا على صوت آيات القرآن الكريم والتواشيح الدينية من المحلات المجاورة لبيته، يهرول، رغم صعوبة حركته، من سريره حتى باب غرفته قاطعًا خطوات متثاقلة ليبدأ يوما آخرا كصفحة جديدة من كتاب حياته يسطرها بصعوبة بما تبقى من أطراف جسده الذي يشي للناظرين إليه من الوهلة الأولى بظروف مٌعدمة يصارعها شاب في الثلاثين من عمره متحديًا إعاقته.
زحفا على الأرض، بعد أن فقط قدميه وذراعه الأيسر، يغدو"عمرو" بجيوب خاوية، في بداية كل يوم، بحثًا عن رزقه بين عربات قطار الإسكندرية، ينادي بصوت مسموع على بضاعته: "كروت شحن فكة.. تجديد باقة..تحويل رصيد"، رافضًا التسول كما يلجأ الكثيرون في مثل ظروفه، حتى بات معروفًا بعزيمته وإرادته وسط ركاب القطار ينظرون إليه جميعا بعين الانبهار،"عمري ما أمد إيدي لحد أبدًا ومكسبي من اليوم بيكفيني أنا ووالدتي"، يقول الشاب السكندري في بداية حديثه لـ"الوطن".
في 2008 سقط أسفل عجلات القطار وفقد ساقيه وذراعه الأيسر
اثنى عشرة عاما، شكلت حياة "عمرو" من جديد، ملامح يومه من قبل تاريخ الثاني عشر من ديسمبر عام 2008 لم تتشابه مع حاله الآن، صافرة إنذار دخول القطار إلى محطة سيدي جابر علت في وضح النهار، إلا أن كلمة القدر كانت أعلى من صوتها، باغتته عجلات القطار الحادة فجأة، في لحظة توقفت عندها عقارب الساعة وسقط مغشيًا عليه، لم يعِ ما يحدث من حوله، حينها، صراخ نساء وأطفال وهرولة رجال يحاولون إنقاذ جسده الذي كاد أن يتآكل كله على القضبان،"حصلي بتر في القدمين فوق الركبة وبتر في الدراع الشمال تحت الكوع"، فتحول مشواره الذي ذهب إليه بعد انتهاء موعد ورديته كفرد أمن في أحد الفنادق الكبرى إلى كابوس لا تزال تفاصيله تلاحقه في أحلامه.
اقرأ أيضاً
- «الفتوى والتشريع»: إلزام متحف «محمد على» بإخطار مصلحة الضرائب العقارية بإقامة الحفلات
- طفل يقتل والده في الشرقية
- أبو الغيط: هناك حاجة حاليا لتوحيد التشريعات بصورة تسمح بتطوير قطاع النقل
- ذبح مدرس فرنسي: انقسام بشأن مبدأ علمانية الدولة
- أسعار الذهب ترتفع في مصر اليوم الأربعاء.. والجرام يصعد 5 جنية
- عدم توليه مسجد رئيسي ومعاقبته بالنقل ” إمام الأوقاف الذي اقنع بهاء سلطان”
- مادتين نستخدمهما يومياً تعطلان نشاط فيروس كورونا
- رئيس الوزراء : يعلن رفع أجور المعلمين يناير المقبل 2021
- مصطفي مدبولي : يكلف بتطبيق الغرامة علي غير الملتزمين بارتداء الكمامة بسبب تزايد حالات كورونا
- الإشتباه بإصابة 5 طلاب بمدرسة المنوفية بفيروس كورونا
- قصر ضخم بالبحيرة يثير الجدل علي السوشيال ميديا ”صاحبة تاجر كتاكيت”
- أرخص 3 هواتف ذكية بسعر أقل من 2000 جنية
بعد الحادث تلقى علاج نفسي طويل وبدأ العمل في بيع كروت الشحن
شوط طويل من العلاج النفسي، قطعه الشاب السكندري الحاصل على دبلوم صنايع، في محاولة منه للتشبث بالحياة رغم مرارتها، قاوم وثابر ولم يجد أمامه عمل يناسب ظروفه الصحية سوى بيع كروت الشحن، فقد عمله في الفندق، حتى مهنة الجزارة التي يحترفها لم تعد تناسبه ولم يقوى هو الآخر على رؤية منظر الدماء مجددا،"بدأت ببيع كروت الشحن والحمد لله بقيت أبيع وأكسب"، وما إن تطورت الحياة من حوله وظهرت ماكينات الدفع الفوري سارع بشراء واحدة ليزيد ربحه بها.
أصابع يده اليمنى هي سلاحه الوحيد الذي تبقى له من أسفل عجلات القطار، بها يضغط على أزرار ماكينة الدفع الفوري لزبائنه وبها يبيع كروت الشحن، يتوكأ عليها في سيره، لم تسمح له ظروفه المادية لتركيب أطراف صناعية تعينه على حياته، ينتقي الأوقات ليهرب من زحام الركاب،"مقدرش أشتغل في الزحمة هتبهدل وسط الناس"، سيرته الحسنة وأمانته معروفتان وسط الركاب لا يعود إلى بيته إلا وقد باع بضاعته كلها.
على سريره يستلقي "عمرو" نهاية كل يوم بعد رحلة صعبة تفادى خلالها عثرات عدة في الطريق، راضيًا عن نفسه التي أبت الهزيمة، تراوده نوبات اليأس قليًلا فيطردها بالحمد على ما اكتسبه من رزق حلال، لم يحلم سوى بوظيفة ثابتة وأطراف صناعية تخفف عنه عبء السير والحركة.