محمود العربي يكتب: عيد الشباب.. تقاليد قديمة بين العرف والشرع


في العديد من القرى المصرية، خصوصًا في صعيد مصر، كان هناك تقليد شعبي يُعرف باسم “عيد الشباب”، حيث كان الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عامًا يفطرون يوم وقفة عيد الفطر، بغض النظر عمّا إذا كان رمضان كاملاً أو ناقصًا. كان هذا العُرف جزءًا من التقاليد الاجتماعية التي لم تُواجه بأي استنكار، رغم أن الإفطار في رمضان كان يُعدّ من المحرمات الاجتماعية الشديدة.
من الناحية الدينية، لا شك أن هذا العرف كان مخالفًا للشرع الإسلامي، حيث إن صيام رمضان فرض على كل من بلغ، ولا يجوز الإفطار فيه إلا بعذر شرعي كالسفر أو المرض. ومع ذلك، فإن المجتمع الريفي والصعيدي في ذلك الوقت لم يكن يرى في هذا العُرف مخالفة جسيمة، بل اعتبره استثناءً مقبولًا في ظل العقل الجمعي الذي تشكل عبر الأجيال.
يبدو أن هذا التقليد نشأ لعدة أسباب، من بينها التخفيف عن الشباب، وإعدادهم نفسيًا للاحتفال بالعيد، أو ربما كجزء من الطقوس الانتقالية التي تُميز مرحلة الطفولة عن البلوغ. كانت الأمهات تُصرّ على أن يفطر الشباب في هذا اليوم، وكأنه سنة مؤكدة، في حين أن الكبار كانوا يتمسكون بالصيام حتى آخر يوم من رمضان.
استمر هذا التقليد حتى أوائل التسعينيات، حيث بدأ في التلاشي بحلول عام 1993. ويمكن تفسير اختفائه بعدة عوامل، منها:
زيادة الوعي الديني: مع انتشار وسائل الإعلام والبرامج الدينية، أصبح الناس أكثر تمسكًا بالتعاليم الإسلامية الصحيحة، وأقل تقبلاً للتقاليد التي تخالفها.
تعليم ديني أكثر صرامة: أصبح الوعاظ والمشايخ أكثر حضورًا في القرى، وكان لهم دور في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، ومنها عادة الإفطار قبل العيد.
الانفتاح الثقافي: مع تقدم وسائل الاتصال وانتشار الأفكار الدينية الصحيحة، بدأ الناس في مراجعة ممارساتهم، وتمسكوا أكثر بالنصوص الشرعية الواضحة.
من المهم أن ندرك أن المجتمعات الريفية كانت تضع لنفسها تقاليد خاصة بها، بعضها يتماشى مع الدين، وبعضها يخالفه لكنه كان مقبولًا اجتماعيًا لفترات طويلة. ورغم أن “عيد الشباب” لم يكن له أي أساس شرعي، إلا أنه كان جزءًا من النسيج الثقافي في القرى والنجوع، مما يعكس كيف كانت التقاليد والعادات تؤثر على سلوك الناس حتى في الأمور الدينية.
في النهاية، فإن هذه العادات، وإن كانت قد اندثرت اليوم، تظل جزءًا من التاريخ الاجتماعي للريف المصري، وتعكس كيف كان الناس يمارسون شعائرهم بطرق تتأثر بالسياق الثقافي والزمني، حتى لو تعارضت أحيانًا مع الأحكام الشرعية الثابتة.