الجمعة 22 نوفمبر 2024 02:52 مـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية ”الجزء الأول ”

    مصر وناسها

    إن في الأسواق غفلة عن الوقار الذي ينبغي أن يتزين به المسلم، والخلق الرفيع الذي يميزه، ويرفع درجته في الجنة، فكثيرا ما يرتفع الجدل، وتعلو أصوات المتخاصمين، وربما كان المتخاصمان رجلا وامرأة، فيذهب الحياء، وتنسلخ المرأة من ثوبها وسترها، فتبارز الرجال بطول اللسان، وترفع يدها وذراعها وهي تخفق بالأسورة الذهبية المتلألئة في أعين الرجال من أجل ماذا؟ من أجل قروش، فلا تسامح، ولا معروف، ولا تنازل عن أي شيء، ولقد ذكر من صفة النبى صلى الله عليه وسلم فى التوراه أنه التوراه " ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب فى الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر" رواه البخاري، أفلا نقتدي برسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم؟

    ونترك ذلك لوجه الله، وقد نهى عنها صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال "وإياكم وهيشات الأسواق" رواه مسلم، وفي هذا إشارة صريحة لذمها في موضعها في الأسواق، فاتقوا الله وكونوا كما أرادكم الله تعالى أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعيش الدنيا للآخرة، ولا تبيع جنة الله بعرض زائل، وإن الأسواق مظنة الغفلة عن الأعمال الصالحة، والذكر المأجور، فيدفع أحدنا المئات في مشتهياته، وربما مر به سائل فقير فرده، أو اختار له من ورقات نقوده ما يزهد فيه صغار أطفاله، وكان أولى بنا أن نبادر لما يمحو الله به الخطايا، ويظللنا به يوم الهول الأكبر، فإن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بعض صحابته وهم في السوق فقال صلى الله عليه وسلم.

    "إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب فشوبوها بالصدقة" رواه النسائي، ولقد صينت المساجد عن البيع والشراء لما يحدث فيها من مثل ذلك، فإن في الأسواق غفلات وغفلات، فكم فيها من غفلة عن واجب رعاية الأسرة والزوجة والأولاد، حيث ينسى كثير من التجار والبائعين أسرهم إلا لماما، ليلهم ونهارهم خذ وهات، وقد امتلأت بيوتهم بالآهات، وإن من طبيعة كل المجتمعات الإنسانية أن يكون لها أسواق تتبادل فيها السلع، ولا بد لكل إنسان أن يرتاد هذا التجمع البشري من أجل قضاء حاجاته، وتحقيق منافعه، وقد ذكر الله عز وجل من صفات الأنبياء أنهم كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وقد وردت عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عشرات الأحاديث.

    تشير إلى أنه كان يدخل السوق بين آونة وأخرى إما للدعوة إلى الله كما كان يفعل في سوق عكاظ وغيرها من أسواق العرب في مكة والمدينة وما بينهما، وإما لشراء ما يلزمه منها، وإما لمآرب أخرى وكان يأمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، ويذكر الله عز وجل، وحاشا لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسانه أن يغفلا عن ذكر ربه عز وجل، وقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجارة في شبابه قبل النبوة، وكان كثير من كبار صحابته من أكبر تجار المدينة، ولا شك أن ذلك من طبيعة الحياة، ومما لا غنى عنه، ولكن الأسواق تظل مع كل ذلك منطقة خطرة حذرة، أليست البقعة التي باض فيها الشيطان وفرّخ كما ورد عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؟

    وماذا نتوقع من مفرخة الشيطان إلا أن تكون منطلقا للفحشاء، وبابا لما يغضب الجبار عز وجل، إذا أهملت من إحياء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من تذكير ودعوة، وأصبحت على النقيض من ذلك ملتقى المعصية، ومعرضا للمنكرات، ودربا من دروب ضياع المروءة والأخلاق؟ ولقد كان السوق هو المنطلق الأول للسوء والفتنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها" رواه مسلم، وإذا كانت الأسواق، كما روى مسلم عن سلمان قال "إنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته" فإن ذلك مما يجعل المسلم يحذر منها أشد الحذر، بل ويقلل من ارتياده لها بقدر استطاعته، فلا يذهب إليها إلا في إحدى حالين إما أن يكون تاجرا.

    6591c6bbb78078187838e7eb6f5a2168.jpg
    المسجد السوق العلوم الشرعية الدنيوية الجزء الأول