”الإمام والبابا والطريق الصعب” كتاب للمستشار محمد عبدالسلام يوثق رحلة الأخوة الإنسانية
مصر وناسها
صدر حديثا كتاب "الإمام والبابا والطريق الصعب"، من تأليف المستشار محمد عبد السلام المستشار القانوني السابق لشيخ الأزهر، يوثق فيه رحلة وثيقة الأخوة الإنسانية التي قدمها كل من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، للعالم في أبو ظبي في 4 (فبراير) 2019.
نُشر الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية، بموافقة الإمام الأكبر والبابا، واللذين كتبا مقدمة للكتاب. ويعد المستشار محمد عبدالسلام أول مسلم يقدم المنشور البابوي "جميعنا أخوة" ("Fratelli Tutti")، ولقد كان شاهدًا على الأحداث التي أحاطت عملية كتابة ونشر وثيقة الإخوة الإنسانية وكان أيضا فاعلاً رئيسياً فيها.
وقال محمد عبدالسلام، بعد يوم من عرضه نسخة من الكتاب على البابا فرنسيس: إنه شعر بأهمية سرد قصة ولادة وثيقة الأخوة الإنسانية، ليس كسجل تاريخي فقط ولكن كمصدر إلهام للأجيال الشابة.
اقرأ أيضاً
من جانبه، أكد الكاتب الصحفي جيرارد أوكونيل، على كل مهتم بالعلاقات الإسلامية المسيحية في القرن الواحد والعشرين، قراءة كتاب "الإمام والبابا والطريق الصعب"، والذي وصفه بالرائع، والمكون من 280 صفحة.
وبدأ الكتاب بتعريف المستشار عبدالسلام، لنفسه ودراسته للإسلام والقانون وكيف تم اختياره ليكون مستشارا موثوقاً ومستشاراً قانونيا للإمام الأكبر. كما لخص تاريخ الأزهر والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين منذ أول لقاء للنبي محمد مع المسيحيين وحتى يومنا هذا.
وقدم محمد عبد السلام، صورًا موجزة للإمام والبابا، تسلط الضوء على القواسم المشتركة بينهما والتي تتمثل في أسلوب حياة بسيط؛ والاهتمام بالفقراء والشباب، والرغبة في كسر الحواجز بين الشعوب والأمم، فضلا عن نبذ الجمود والأصولية واستخدام الدين لدعم العنف أو الإرهاب، ورفض الحرب وسباق التسلح، مشيرا إلى أنهما يكنان احتراماً عميقاً لمعتقد بعضهما البعض ويعتبران الدين قوة من أجل السلام في العالم.
وأشار خلال الكتاب، إلى أنه منذ أن تولى الشيخ أحمد الطيب منصب الإمام الأكبر ، كان يفكر في "كيفية نشر الحقيقة والعدالة واعتدال الإسلام وكيفية نشر ثقافة الحوار والتسامح في مصر وبين إخواننا عبر المنطقة العربية وعالمنا الإسلامي وفق نهج الأزهر ". ويشير أيضا إلى أن البابا فرنسيس قد روج لثقافة اللقاء والحوار.
من بنديكتوس إلى فرنسيس
ولفت المستشار محمد عبد السلام، في كتابه إلى أن العلاقات بين الأزهر والفاتيكان كانت مجمّدة فعليًا عندما استقال بنديكتوس السادس عشر. وتدهورت العلاقات بعد محاضرة بنديكتوس السادس عشر في ريغنسبورغ في 12 سبتمبر 2006 ، حيث استخدم اقتباسًا من إمبراطور بيزنطي عن النبي محمد أزعج المسلمين في جميع أنحاء العالم.
كما ساءت العلاقات مع الفاتيكان مرة أخرى بعد تصريحات البابا بنديكتوس بعد تفجير الكنيسة القبطية في الإسكندرية في يناير 2011، والتي اعتُبرت تدخلاً في الشؤون الداخلية لمصر. وكان الإمام الأكبر قد أعلن "تجميد" العلاقات مع الفاتيكان لأجل غير مسمى.
وأورد عبدالسلام، أنه رغم تجميد العلاقات، أعلن الشيخ الطيب أنه سيرسل رسالة تهنئة إلى البابا الجديد فرنسيس، ولكن لم يؤيد أي من الحاضرين هذا الإجراء وتم الإتفاق بدلاً من ذلك على أن يُصدر الأزهر رسالة تهنئة للكنيسة الكاثوليكية وانتظار رد الفعل.
جاءت الإشارة الإيجابية بعد بضعة أشهر، حسبما أفاد المستشار، وبعث البابا فرنسيس برسالة تهنئة إلى الإمام الأكبر بمناسبة حلول شهر رمضان ووصف المسلمين بـ "الإخوة"، وهذا أسعد شيخ الأزهر الذي " رد على الفور وبدون تردد برسالة عبر فيها عن شكره".
أضاف أنه لما يقرب من 3 سنوات، راقب مع الإمام الأكبر ما كان فرنسيس يفعله، مشيرا إلى أنهم قد لاحظا قلقه بشأن المهاجرين، وتركيزه على الفقراء، ورسالته العامة في الرسالة البابوية " Laudato si " عن "رعاية بيتنا المشترك" في عام 2015 ، وزيارته للاجئين في جزيرة ليسبوس في (أبريل) 2016، وكيف أعاد على متن الطائرة إلى روما 12 لاجئًا سوريًا مسلمًا. جاء ذلك عقب زيارته للأردن وفلسطين ودعمه للشعب الفلسطيني في مايو 2014، وإدانته لأعمال العنف في سوريا. ولاحظا رفضه في (أغسطس) 2016 ربط الإسلام بالإرهاب عندما سُئل عن سبب عدم الإشارة إلى الإسلام مطلقًا خلال إدانته الهجمات الإرهابية. فأجاب البابا: "لا أعتقد أنه من الصواب الربط بين الإسلام والعنف".
اللقاء الأول
وذكر المستشار محمد عبد السلام في كتابه، كيف فاجأه الإمام الأكبر في إحدى أمسيات (نوفمبر) 2015 بقوله: "أيها المستشار، لا يمكن معالجة معاناة الناس من خلال اللقاءات والنقاشات والتشريفات والمجاملات وحدها. لقد تأخرنا كثيرًا ولا يمكننا الانتظار أكثر من ذلك. يجب اتخاذ خطوات جريئة نحو السلام للبشرية جمعاء. لقد قررت زيارة الفاتيكان ".
وأوضح أنه تم تكليفه بترتيب الزيارة، بعد الحصول على موافقة هيئة كبار العلماء بالأزهر على هذا المسعى، منوها بأن مهمته قد سُهلت عندما اتصل بالمونسنيور يوأنس لحظي جيد، الكاهن القبطي الذي كان وقتها أحد الأمناء الشخصيين للبابا وعمل أيضًا مترجمًا للغة العربية.
وقام المستشار محمد عبد السلام، في الكتاب بسرد تفصيلي للاجتماع الأول بين البابا فرنسيس والشيخ الطيب في القصر الرسولي بالفاتيكان في 23 (مايو) 2016.
ولفت إلى أنه في طريقهما للفاتيكان اقترح على الإمام الأكبر، الذي كان معنيًا بالسلام منذ فترة طويلة، رعاية مؤتمر دولي للسلام في الأزهر بالقاهرة مع شخصيات بارزة من الأديان المختلفة - ودعوة البابا خلال اجتماعهما الخاص. واستقبل فرنسيس الإمام الأكبر "بحماسة كبيرة" وقبل الدعوة إلى مؤتمر السلام.
عناق تاريخي
ومرة أخرى، كُلف عبدالسلام بمهمة تنظيم مؤتمر السلام الذي عقد في 27-28 (أبريل) 2017. ويذكر الكتاب، أن البابا فرنسيس والشيخ الطيب تحدثا في اليوم الثاني وأفاد أن صورة عناقهما انتشرت في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. حتى أصبحت الصورة "رمزاً للأمل".
واستطرد أنه وبعد ستة أشهر، رافق الشيخ الطيب في زيارة روما لحضور اجتماع دولي، وبعد الاجتماع الرسمي في 6 (نوفمبر) 2017، والذي حضره أيضاً المونسنيور يوأنس، دعاهم البابا فرنسيس جميعًا لتناول طعام الغداء في سانتا مارتا، دار الضيافة بالفاتيكان حيث يُقيم.
في طريقه إلى الغداء، تحدث الإمام الأكبر للبابا عن العمل بالغ الأهمية الذي قام به القاضي في إعادة الحوار بين الأزهر والفاتيكان، ثم أسرّ لفرنسيس أن الشاب "عانى كثيرًا من المخادعين الذين كانوا يتآمرون ضده" ونصحته "باستئناف عمله في القضاء لتجنب هذه المشاكل".
وبعد الإنصات باهتمام، قال البابا فرنسيس: "طريق الإصلاح مليء بالأشواك والمتاعب، ولكن الله تعالى سيحميه". وعلق عبدالسلام، في الكتاب: "كنت بحاجة لسماع كلمات الدعم وهذا الدافع لأشعر ببعض الراحة في قلبي، حيث كنت أتعرض لانتقادات غير عادلة وأكون تحت ضغط لا هوادة فيه.
ويروي الكتاب كيف طلب البابا قبل الغداء من الإمام الأكبر أن يتضرع لله من أجل الإنسانية والسلام، وكيف طلب الشيخ الطيب بدوره من فرنسيس الصلاة من أجل الفقراء والضعفاء والمهمشين. بعد ذلك كتب عبد السلام: "التقط البابا قطعة خبز وقطعها إلى نصفين. أخذ النصف وأعطى النصف الآخر للإمام الأكبر، فتناول كل منهما نصيبه، في مبادرة رمزية للتعايش والأخوة الإنسانية".
خلال الغداء الذي استمر لساعتين ونصف الساعة، اقترح الكاتب، أن يمضي البابا والإمام الأكبر على نجاح مؤتمر السلام من خلال كتابة وثيقة حول الأخوة الإنسانية والتوقيع عليها وعرضها للعالم، لتوفير التوجيه لجميع الناس، وخاصة الأجيال الشابة، ولكي يرسما الطريق نحو التسامح والسلام. ووافقا على المقترح وعهدا بمهمة تنسيق المشروع إليه مع المونسنيور يوأنس وأصرا على إبقاء المشروع بأكمله سريًا حتى اكتماله وجهوزيته للإعلان عنه.
صياغة الوثيقة
بدأ الشيخ الطيب، في العمل على مسودة النص، لكنه أصر على ألا يُخبر المستشار البابا أنه كتبه حتى يشعر الأخير بالحرية الكاملة في تغيير ما يشاء. وسلم القاضي عبد السلام مسودة النص إلى المونسنيور يوأنس الذي سلمها إلى فرنسيس.
قام البابا بمراجعة النص وتعديله، وأخذ القاضي المسودة المنقحة إلى الإمام الأكبر، الذي كان سعيدًا حقًا بمساهمة البابا. عمل الشيخ الطيب على المسودة الثانية، وقدم فرنسيس ملاحظاته مرة أخرى، وهكذا حتى انتهاء النص. ولم يكن أحد سوى هؤلاء الأشخاص الأربعة على علم بالنص حتى اكتماله.
وبينما كانت عملية الصياغة مستمرة، التقى عبد السلام بالبابا فرنسيس مرة أخرى في 17 (أبريل) 2018، واقترح شيئًا سبق أن ناقشه مع الإمام الأكبر، ألا وهو أن يقوم فرنسيس بزيارة منطقة الخليج، بدءًا من الإمارات العربية المتحدة، كدولة اختارت طريق التسامح منذ تأسيسها، وأقامت دور عبادة لجميع أتباع الديانات المختلفة الذين يعيشون في الأرض ودعمتهم دون تمييز.
وأوضح في كتابه، أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، قدم الكثير من الدعم للأزهر وللجهود الإصلاحية والفكرية للإمام الأكبر. واقترح أن يسافر البابا والإمام الأكبر إلى أبوظبي لتقديم وثيقة الأخوة الإنسانية للعالم. ورحب فرنسيس بالفكرة لكنه قال إنه بحاجة إلى استشارة مسؤولي الفاتيكان.
ذهب الإمام الأكبر إلى إيطاليا مرة أخرى في (أكتوبر) 2018 لتلقي جائزة أكاديمية من جامعة بولونيا، وزار البابا فرنسيس برفقة عبدالسلام.
كان اجتماعهما الرابع. ناقشا وثيقة الأخوة الإنسانية التي أطلقوا عليها اسم "مشروعنا المشترك" وإمكانية إطلاقه في دولة الإمارات العربية المتحدة في (فبراير). وقال فرنسيس للشيخ الطيب: "إنني أؤمن بشدة بهذا المشروع وبأهميته لخدمة الإنسانية". واتفق مع الإمام الأكبر على أهمية الحفاظ على سرية المشروع بأكمله "لتفادي أي عرقلة".
بعد فترة وجيزة من عودتهما إلى القاهرة، اتصل المونسنيور يوأنس بالمستشار، وقال إن البابا يريده أن يعود إلى روما، حيث تم اتخاذ القرار. فور وصول القاضي عبد السلام إلى الفاتيكان، أكد البابا فرنسيس، أنه سيزور الإمارات العربية المتحدة. وطلب من عبدالسلام، اتخاذ الترتيبات اللازمة. وتم تحديد موعد الزيارة في الفترة من 3 (فبراير) إلى 5 فبراير. وبعد الاجتماع، اتصل القاضي بالإمام الأكبر لإبلاغه، والذي قال بدوره إنه سيبلغ الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وسافر القاضي عبد السلام إلى أبو ظبي لإبلاغ السلطات هناك ثم عاد إلى القاهرة لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الزيارة، بما في ذلك أن فرنسيس سيلتقي أيضاً بمجلس حُكَماء المُسلمين في اجتماع في أبو ظبي "لتعزيز السلم في كل المجتمعات".
لكن في الأشهر الأخيرة التي سبقت الزيارة قال محمد عبدالسلام، إنه اضطر لمغادرة الأزهر بسبب "الإنهاء المفاجئ لمهمته هناك والعودة إلى القضاء" لأن فترة الإعارة القانونية المسموح بها للقاضي قد انقضت.
"عند معرفة البابا فرنسيس بالخبر، قرر منح القاضي وسام "قائد الفارس مع نجمة" ، وهو أعلى وسام بابوي يُمنح لمسلم. ومع ذلك، أتاحت وظيفة القاضي الجديدة له الوقت لاستكمال جميع الترتيبات الخاصة بالزيارة.
لكن بعد ذلك تعرقل الموضوع حيث لم يتمكن المستشار محمد عبدالسلام، أن يتوجه إلى أبوظبي لحضور الحدث التاريخي، وهذا أصاب الشيخ الطيب والبابا فرنسيس بالذهول.
البابا في أبو ظبي
ويروي الكتاب أن البابا فرانسيس والإمام الأكبر صنعا التاريخ عندما قدما وثيقة الأخوة الإنسانية في أبو ظبي. وفي خطبهما، وجه كلاهما بشكل ملحوظ الشكر صراحة للقاضي عبد السلام، للعبه دورًا مهمًا في إحياء هذه الوثيقة ولكن كان عليه أن يراقب من بعيد توقيع الزعيمين الدينيين عليها.
بعد الحفل، عندما عادا بالسيارة إلى القصر حيث كانوا يقيمون، وقبل الذهاب لتناول العشاء مع ولي عهد أبوظبي، طلب البابا من المونسنيور يوأنس الاتصال بالمستشار محمد عبدالسلام، ثم تحدث إليه فرنسيس والشيخ الطيب وشكراه على كل ما فعله لتحقيق هذا الحلم. كانت تلك طريقتهما في الوقوف إلى جانبه.
يتابع الكتاب سرد العديد من الأمور التي حدثت منذ احتفال أبو ظبي، بما في ذلك إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية، وهو مجمع ديني في أبو ظبي يضم مسجدًا وكنيسة، وتشكيل اللجنة العليا للأخوة الإنسانية التي يكون القاضي أمينها العام ؛ والاجتماع السادس بين البابا والإمام الأكبر في الفاتيكان في ( نوفمبر) 2019.