الجمعة 22 نوفمبر 2024 06:05 مـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المنوعات

    ”تحدى إعاقته و صنع لنفسه أرجل من المواسير”... تعرف على قصة المُكافح” عبد الناصر”

    مصر وناسها

    بعد أن تمكن منه مرض ضمور العضلات الذي أقعده أرضا وجعله لا يقوي علي حمل جسده، قرر عبد الناصر محمد، البالغ من العمر 49 عاما، أن يتحدى تلك الإعاقة التي أثرت على حياته منذ أن كان صغيرا، وصنع لنفسه أرجل جديدة من مواسير الصرف الصحي البلاستيكية، يقف بداخلها حتى يستطيع العمل داخل ورشته، التي أصبحت له سكنا ومأوي ومصدرا للدخل، بعد أن طرد من عمله بعد تفاقم إصابته إثر تعرض لحادث سير، منع من الحركة.

    يقول عبد الناصر، إنه منذ أن كان في الصف الثالث الإعدادي، أصيب بضمور العضلات، ولم يستطع أي طبيب حينها تحديد نوع هذا المرض: "لفيت على كل الدكاترة في مصر، ومحدش عرف عندي إيه، لحد ما روحت لدكتور في بولاق وقالي ده مرض اسمه دوشين، وبدأ يعرفني يعني إيه، وأعراضه، وعرفت إنه ملوش علاج".

    وقعت تلك الكلمات المختصرة بمثابة الصاعقة التي نزلت على قلب الصغير حينها، فهو الذي كثيرا ما كان يلعب كرة القدم، ويمني النفس أن يصبح محترفا فيها، إلى أن أصابته العلة: "بدأت الدنيا تسود في عيني وحياتي تتغير، بدأت أمشي على طراطيف ضوافري، ولما دخلت في العشرينات وخلصت معهد فني صحي، اتعينت في شركة حكومية، ضمن فئة 5% العجز".

    «صدمة جديدة»

    صارت الأمور طبيعية، و رضى عبد الناصر، بقضاء ربه وقدره، وقرر شراء دراجة بخارية بـ4 إطارات، يتحرك بها ويتجول إلى أن أصبحت أهم ما يملك حتى جاء اليوم الذي حرم الأربعيني من التمتع بتلك الدراجة أو الوقوف بشكل متأرجح، كما كان يفعل سابقا، إلا أنه كان في انتظار صدمة جديدة.

    يوضح الرجل: "كنت نازل من عند مسجد أبو السعود، وفجأة جات عربية ماشية مخالف شالتني بالموتوسيكل بتاعي، دخلت المستشفى، وفضلت 8 شهور مبتحركش، وحصل عندي تقصر 7 سم في رجلي اليمين، والرجل التانية الضمور خلص عليها خالص، ده غير الضمور اللي في إيديا".

    بعد 3 سنوات من تلك الواقعة التي أفقدته التجول بدراجته البخارية، قرر عبد الناصر، أن يفتتح ورشة لتصليح الأجهزة الكهربائية، بعد أن أحيل للتقاعد، بسبب الإصابة التي لحقت به: "بقالي دلوقتي 10 سنين قاعد من غير حركة، وكان لازم أشتغل، أنا أصلا بفهم في التصليح، فقررت أشتغل في حاجه بفهم فيها، ولما عملت الورشة مكنش ينفع أقف فيها لوحدي، ومراتي جات وقفت معايا".

    «وفاء وإخلاص زوجته»

    هنا يصمت الأربعيني قليلا، وكأنه تذكر شيئا أحزنه، قبل أن يواصل الحديث، قائلا: "مراتي دي وقفت جنبي من وقت ما كنا مخطوبين، كنت ببقى ماشي جنبها وفجأة لو دوست حتى على عقب سيجارة أقع، فكانت تقف ورايا وتحضني من ضهري علشان توقفني تاني، ولما اتجوزنا، كانت الوحيدة اللي شايلة همي، وقدرنا نربي ولادنا الحمد لله".

    لم يرزق عبد الناصر، بذكور، إذ وهبه الله ببنتين، أصبحا بمثابة يدين وقدمين "القعيد"، ورغم كونهم إناث إلا أنهما يحملان الأب حتى يصعدا به إلى الطابق الثالث حيث يسكن: "لك أن تتخيل إن بنتين بيشلوا راجل يطلعوا بيه لفوق، نفسي ربنا يكرمني وأعرف أرد لهم حقهم عليا، وأشوفهم أسعد بنات".

    «إبداع رغم المرض»

    قصة بطولة أخرى صنعها الأربعيني داخل ورشته، إذ أنه لم يعد يقوى على الوقوف بشكل طبيعي، فقرر الاعتماد على ذكائه وقدرته الإبداعية: "اشتريت ماسورة بلاستيك 8 بوصه، بتاعة صرف صحي، وقطعتها نصين، نص لكل رجل، وبعد كده عملت جواها مكان للركبة بالشنيور، فتحت فتحة للركبة، وبقيت ألبسها في رجليا، وأنا في الورشة علشان أعرف أقف أقفل الشغل بتاعي".

    يشرح عبد الناصر: "يعني عملت لنفسي دعامة بشريط، بلبس المواسير وبعد كده أقفل الشريط على رجليا بالمواسير، وبسند على كتف مراتي علشان أقف، ولما بقف بفضل شغال بقى علشان أخلص اللي ورايا".

    «يواكب التطور رغم مرضه»

    عن طبيعة الورشة التي يمتلكها عبد الناصر، يقول إنه يعرف أن التطور الهائل الذي نعيشه الآن يتطلب المزيد من الأفكار المميزة حتى تواكبه: "كان فيه زمان كاسيت بيتحط فيه شريط، موجود في كل العربيات القديمة، فأنا بقى بأخد التسجيل ده وبعمل له دايرة جديدة، وبيبقي بفلاشة، وبعمل معاه ريموت وكارت ميموري كمان، وبلوتوث، بخش على النت أشوف إيه الجديد، وأعمله عندي في الورشة، لأن صعب أروح أخد دوره، لأني خلاص مبقتش أتحرك خالص".

    يتمنى عبد الناصر، أن يحصل على شقة في الطابق الأرضي، نظرا للمعاناة التي يعيشها يوميا في سبيل صعود السلم، مضيفا: "المستقبل خلاص مش ليا، مستقبلي في بناتي، وعايز أطمن عليهم".