حسن إسميك يكتب: أفغانستان تنهار (2 - 2)
مصر وناسهاما يحدث في أفغانستان اليوم هو دليل لا يقبل الشك على إخفاق الإستراتيجيات الأميركية في تلك البلاد تحديداً، وفي الشرق الأوسط بصورة أعم، إخفاق لم يكن وليد يوم أو اثنين، أو نتيجة قرار جزئي أو خطة مفردة، بل نتيجة عدم اتساق مزمن ومتراكم في الإستراتيجيات.
بالإضافة إلى سياسات أميركية فوقية أدت إلى غياب الاكتراث بالتنبيهات الواضحة والإشارات البينة حول المخاطر القائمة والمحتملة، ناهيك عن تكرار الأخطاء من قبيل إغفال التصدي لدور بعض القوى الإقليمية الصاعدة المزعزعة للاستقرار هنا وهناك، والتي تعمل من دون كلل على نشر الفوضى، وتبذل جهدها لإظهار أميركا وكأنها مهزومة في هذا البلد الشرق أوسطي أو ذاك، ليس أمام شعوب المنطقة فحسب، بل وأمام الرأي العام الأميركي في الوقت ذاته.
على المقلب الآخر، يثير الانسحاب الأميركي من أفغانستان مخاوف كبيرة لدى حلفاء أميركا في المنطقة، مخاوف تتصاعد في كل لحظة مع تقدم حركة طالبان واتساع نطاق سيطرتها على المدن الأفغانية.
وإذا ما حدث الانهيار الكامل في البلاد سيعني ذلك حتماً انهياراً كبيراً سيصيب المصداقية الأميركية لدى حلفائها، وسيؤكد لهم أن الالتزام الأميركي بمصالحهم وقضاياهم هو مجرّد وهم، وأن احتمال تركهم لقمة سائغة أمام قوى التطرف والإرهاب الدولي وما دون الدولي في المنطقة قائمٌ وممكن جداً، في الوقت الذي كان يأمل فيه هؤلاء، ومعهم حلفاء آخرون لواشنطن في أوروبا، أن يعمل الرئيس الأميركي الجديد - وبحسب تصريحاته هو - على استعادة الدور الأميركي العالمي، وإعادة ترسيخ مكانة واشنطن كقائد دولي، أقله في الملفات الشائكة الكبرى.
وفي ضوء هذا التراجع الأميركي، لن يكون من المستغرب على الإطلاق أن تعمل كل من الصين وروسيا على توسيع نفوذهما في المنطقة، والحجة اليوم موجودة، وهي التعامل مع مجموعة المخاطر الأمنية الكبيرة التي سيحدثها تزايد الأوضاع سوءاً في المشهد الأفغاني.
وشروع طالبان بالتأسيس لـ«إمارتها الإسلامية» المنشودة، التي من الواضح أن 20 سنة من الوجود الأميركي في البلاد لم تكن قادرة على إلغاء التفكير بها، خاصة أن عامل القرب الجغرافي يلعب هنا لمصلحة موسكو وبكين، ولا ريب أن دولاً كثيرة ستفكر جدياً بالتحالف مع القوتين العظميين الشرقيتين، بعد خيبات أمل كبيرة أحدثتها تصرفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وربما سيحدث مزيد منها في المستقبل إذا ما قررت التخلي عن العراق مثلما فعلت وتفعل اليوم في أفغانستان.
لقد كانت القيادة الأميركية مدركة أنها تخاطر بفقدان أفغانستان بالكامل، عندما اتخذت قرار الانسحاب وبدأت بتنفيذه بهذا الشكل غير الممنهج، ورغم أن الخطة «ب» قد تم تحديدها مسبقاً من قبل البنتاغون: «إذا حنثت طالبان بوعودها، فإن الولايات المتحدة ستعود»، فإن مؤشرات تصاعد الأحداث على الأرض تؤكد أن فرص العودة والإنقاذ أصبحت مستبعدة تماماً، خاصة إذا ما استطاعت موسكو أو بكين إيجاد تحالف دولي للتدخل السريع في المشهد الأفغاني، حينها ستكون عودة الولايات المتحدة مستحيلة، وسيترك أمر نظام طالبان الاستبدادي لأنظمة استبدادية أخرى، وسيضيع كل ما أنفقته الولايات المتحدة هناك من قوى وموارد، وسيصبح أي تحالف بين دول المنطقة وأميركا محل شك وقلق وخوف.
كان ينبغي على أميركا أن تتدخل سريعاً للحد من الانهيارات المتتالية في أفغانستان عبر حماية كابول والمراكز الإقليمية الرئيسة، والوقوف بجانب الحكومة الشرعية، ودعم الجيش الأفغاني لاسترداد مناطق مفتاحية في البلاد، ووضع خطة مستدامة لتمويل هذا الجيش ودعمه، والحفاظ على قوة أميركية قادرة على إعادة ضبط المعادلات الأفغانية، لكن كل هذا لم يحدث، فهل ستتحول خطة إدارة بايدن للخروج من الشرق الأوسط بهدف الحد من خسائر بلاده إلى لعبة صفرية يخرج منها كل الأطراف خاسرين، ويعود الإرهاب لينتصر من جديد؟