استخدمتها روايات الرعب والسينما.. كيف ظهر مصطلح لعنة الفراعنة في التاريخ؟
حرر منيرة عمار مصر وناسهاانتشر مصطلح لعنة الفراعنة المخيف والغامض، منذ القرن التاسع عشر كما يؤكد الأثريون، وتحولت إلى مادة خصبة استخدمتها روايات الرعب وصناعة السينما فيما بعد، حتى تحولت إلى مصطلح شائع مقترن بحضارة مصر القديمة وعلم المصريات، وأصبح حديث الناس في العالم كله حينما يذكر اسم أحد ملوك مصر القديمة، ولكن هل لعنة الفراعنة حقيقة أم خيال؟
يقول الدكتور شريف شعبان مؤلف كتاب أشهر خرافات لعنة الفراعنة لبوابة الأهرام "إن المصريين القدماء كانوا فى العادة يكتبون عبارات تهديد ووعيد على مداخل مقابرهم ضد أي شخص يحاول الاقتراب من مقابرهم أو أن يفتحها، مثل عبارة "أحذر من يقترب من مقبرتي بأن عنقه سوف يلوى مثل عنق الإوزة" وهى مكتوبة فى مقبرة "خنتي كا" من الأسرة التاسعة، وعبارة "سيضرب الموت بجناحية السامين كل من يعكر صفو الملك" وهي العبارة التي رآها هيوارد كارتر حين عثر على مدخل مقبرة الملك توت عنخ آمون سنة 1922 ولم يكترث بها، ورغم أن اكتشاف المقبرة كان يعد واحداً من أعظم الاكتشافات الأثرية على مدار التاريخ، إلا أنه جرّ وراءه سلسلة من الحوادث الغريبة والغامضة، التى عززت للأسف من مصطلح لعنة الفراعنة فى أذهان الكثيرين .
ويضيف شريف شعبان أن المصطلح من اختراع المصريين القدماء أنفسهم للحماية من السرقة ، ومع أول يوم لفتح مقبرة توت عنخ آمون ، تم ربط الحوادث الغريبة بها مثل وفاة اللورد كارنافون ممول عملية كشف المقبرة، حين قام بحلق ذقنه وأصيب ثم قرصته بعوضة فتعرض دمه للتلوث وأصيب بحمى شديدة وارتفاع حاد في درجات الحرارة ومات بعدها بأقل من شهر في فندق الكونتيننتال بالقاهرة، وحينها انقطع التيار الكهربائي بشكل مفاجئ عن القاهرة كلها لفترة قصيرة دون سبب، والأغرب أن كلبه مات على سريره في لندن في نفس التوقيت.
في ذلك الوقت نشرت جريدة نيويورك تايمز الخبر وبدأ مصطلح لعنة الفراعنة في الانتشار بشكل جنوني وسط العامة حتى أن "آرثر كونان دويل" مؤلف سلسلة شارلوك هولمز البوليسية قال إن المصريين القدماء سخّروا قوى غامضة كي تحمي مقابرهم ، أما هيوارد كارتر نفسه فقد تأثر بفكرة لعنة الفراعنة وخطورتها حتى أنه في سنة 1926 رأى في المنطقة حيوان ابن آوى يراقبه، وهو الحيوان الذي كان المصريون القدماء يعبدونه باسم أنوبيس حارس الجبانة، وهذا لأول مرة منذ 35 سنة خلال عمله بالأقصر ،وخلال عشر سنين من فتح المقبرة، حدثت حالات وفاة غريبة متتالية لمجموعة من الذين زاروا المقبرة اقترنت بلعنة الفراعنة فى الصحف وفى أذهان العامة .
اقرأ أيضاً
- هند صبري تثير جدلاً بسبب نقل المومياوات تعرف علي السبب
- 3 أبريل الحكم في عدم دستورية عقوبة بيع السلع التموينية بالسوق السوداء
- رئيس هيئة قناة السويس،: نشعر بالفخر بعد تعويم السفينة الجانحة فى قناة السويس
- ”لعنة الفراعنة” تتصدر ترند جوجل بالتزامن مع موكب نقل المومياوات
- التشكيل الرسمي لمنتخب مصر ضد جزر القمر اليوم
- والدة زوج إسراء عماد ” لفها بملاية وارميها عند أمها .. أو ارميها في البحر”
- رحيل جدة براك أوباما وحاضنة العائلة في كينيا
- عاجل| بث مباشر لتحريك السفينة الجانحة بقناة السويس
- وفاة أسرة كاملة في إنهيار عقار جسر السويس .. ونجاة طفلهم الصغير
- شاهد| فنانين ونجوم العالم يهنئون مصر بتعويم السفينة الجانحة
- دعم منظومة النظافة ب 27 حاوية جديدة في مطاي
- مميش : عملية فحص كاملة للسفينة إيفر جيفين
بدأت الحوادث الغامضة باللورد كارنافون وبعده عالم الآثار آرثر ميس والذي أصيب بحالة إعياء ومات في نفس الفندق الذي مات فيه كارنافون، ثم المليونير الأمريكي جورج جولد الذي مات بالحمى، أما أوبري هربرت عضو البرلمان، وأخ كارنارفون غير الشقيق، أصابه العمى تمامًا ومات بسبب تسمم في الدم، في حين أن السير دوجلاس ريد، وهو الطبيب الذي فحص مومياء توت عنخ أمون بالأشعة السينية، توفي بسبب مرض غامض، وميرفين هربرت، الأخ غير الشقيق لـ"كارنافون" وشقيق أوبري هربرت" مات بسبب "ملاريا الالتهاب الرئوي"، وريتشارد بيثل السكرتير الشخصي لـكارتر وُجد ميتاً في سريره نتيجة قصور في القلب بينما انتحر أبوه البارون ريتشارد حزناً على موت ابنه، أما زوجة كارنافون ماتت بلدغة حشرة سامة.
ويؤكد شريف شعبان أن هناك من يُرجع فكرة لعنة الفراعنة لما قبل اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون ، حيث ذكرت لنا مصادر التاريخ حالات فردية لأشخاص تعرضوا لظواهر غريبة أو أصيبوا بأمراض خطيرة أدت لوفاتهم نتيجة تعاملهم مع الآثار المصرية القديمة، فكتب المؤلف الفرنسي لويس بينشر فى كتابه (دراسات في التحنيط) عن قيام رحالة بولندي بشراء زوج من المومياءات بأغراض بحثية طبية وبدأ رحلة بحرية مع هذه المومياوات من الإسكندرية، لكنه خلال الرحلة أصيب بكوابيس متعددة لأثنين من الأشباح يهاجمون السفينة، بالإضافة إلى حدوث عاصفة بحرية عنيفة لم تهدأ حتى آمن الرجل بأنها لعنة المومياوات، فقام بإلقائها في البحر للتخلص من آثار اللعنة.
أما العالم الألماني والمدير الأسبق للمتحف المصري ببرلين أودلف إيرمان، فيذكر ما حدث لزميله هينريش بروجش في أواخر القرن التاسع عشر، والذي كان من أهم علماء الآثار في تلك الفترة، حيث قام بأعمال حفائر بمدينة "سايس" ولكنه كان ينام داخل المقابر وأصيب بلوثة جعلته يتصرف دون وعي. ومن قبله كان العالم يوهانس ديميتش والذي أقام العديد من الحفائر بالصعيد والنوبة وأقام أغلب وقته داخل المقابر، لكن شخصيته بدأت تتغير تدريجياً، حيث أصيب هو الآخر بأعراض هذيان جعلته يتحدث عن اكتشافات أثرية لا وجود لها، وأصبح يتحدث بشكل متقطع دون أن يُفهم كلامه وهو ما ظهر في كتاباته، حيث تعاقد معه الناشرون لنشر كتبه لكنهم وجدوا أنها لا تحتوي على أي شيء له معنى!
يؤكد شريف شعبان أن حالات الهذيان والفصام المسجلة لدينا مرتبطة بما يعرف بعقاقير أو أعشاب الهلوسة، وهو ما يقترن بمهارة المصريين القدماء في علوم الطب والأعشاب واكتشافهم هذا النوع ومحاولة زرعه في مقابرهم كنوع من الحماية، وهو ما أصاب مكتشفيها بتلك الحالة، وليس كما يتم ترديده بأنه لعنة الفراعنة .
ويقول شريف شعبان إن فيليب فاندنبرج في كتابه لعنة الفراعنة أثناء حواره مع د. جمال محرز الذي شغل منصب مدير مصلحة الآثار بالمتحف المصري - أنه كان يعد مقالاً عن عدم اقتناعه بوجود لعنة الفراعنة ولكنه بعدما انتهى من كتابة المقال أصيب بالسكتة القلبية وسقط بعدما فارق الحياة وتصادف هذا اليوم المحاولة الثانية لنزع قناع الملك توت عن وجهه من أجل عرضه في لندن ضمن معرض بمناسبة الذكرى الخمسين لاكتشاف مقبرة الملك الذهبي .
أما الدكتور عز الدين طه عالم الأحياء بجامعة القاهرة، فقد أكد فی مؤتمر صحفي كبير عام 1962 عدم وجود ''لعنة الفراعنة''، موضحا أن هناك بعض الفطريات والسموم التي ربما يكون نشرها القدماء المصريون فوق مقابرهم وبعض أنواع البكتيريا التي تنشط فوق جلد المومياء المتحللة التي عاشت آلاف السنين في حالة سكون، فتصيب مكتشفي هذه المقابر بالتهابات في الجهاز التنفسي مصحوبة بحمى عنيفة بالإضافة إلى حكة في الجلد يصحبها طفح جلدي وصعوبة في التنفس، كما أن تلك الأعراض قد أصابت أغلب من تعامل بشكل مباشر مع المومياوات وأوراق البردي المكتشفة. ولكن الغريب في الأمر أنه قبل أن يتمكن من إثبات نظريته لقي مصرعه في حادث سيارة بطريق القاهرة السويس بصحبة اثنين من مساعديه بعد تصريحاته بأسابيع قليلة وتبين من تشريح الجثة أن سبب الوفاة هو هبوط بالدورة الدموية.
في حين أن الخبير الأثري زاهي حواس لا يؤمن بلعنة الفراعنة رغم وجود حوادث تم ترديدها بأنها مقترنة بلعنة الفراعنة خلال عملية فحصه لمومياء الملك توت بجهاز الأشعة المقطعية في وادي الملوك بالأقصر في عام 2006، ويوضح شريف شعبان أنه من زاوية أخرى، يرفض العديد من العلماء مصطلح لعنة الفراعنة واعتبروها مجرد حوادث خارقة للطبيعة حدثت بنوع من الصدفة حتى وإن تكررت.
من الناحية العلمية فسر العلماء فكرة الموت المرتبط بفتح المقابر بأن هناك فطريات قاتلة زرعت في المقابر المغلقة لمعاقبة لصوص المقابر وتم إطلاقها في الهواء حينما انفتحت، أو أنها في الأصل موجودة بسبب غلق المقبرة لمدة قرون فتكونت ولوثت الهواء من غير قصد، وبالتالي لا يوجد أي ربط بينها وبين حالات الموت البعيدة عن عملية فتح المقابر مثلما حدث للورد كارنافون مثلاً سوى أنها سوء حظ. ولا شك في أن المواد الخطيرة المتراكمة في المقابر القديمة المقفلة حين خروجها بكثافة مع فتح المقبرة تكون مسببة لأمراض خطيرة للأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، وأظهرت عينات الهواء المأخوذة من داخل فتحات التوابيت مستويات عالية من الأمونيا وكبريتيد الهيدروجين، وهي غازات سامة تسبب الوفاة المباشرة.
ويضيف شريف شعبان أنه لا يوجد شيء اسمه لعنة فراعنة، وإن كانت فعلا لعنة فمن الأولى أن تضرب لصوص المقابر والمواقع الأثرية القديمة وسارقي الكنوز والآثار التي لا مثيل لها ولا تقدر بثمن، وليس هؤلاء من يحاولون حمايتها وإنقاذها والحفاظ عليها، ومن يقومون بالكشف عن عظمة الحضارة المصرية القديمة وتراثها وإظهار قيمتها أمام العالم.