الجمعة 22 نوفمبر 2024 04:27 مـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن شهر شعبان ” الجزء الخامس ”

    مصر وناسها

    ونكمل الجزء الخامس مع شهر شعبان، وقد توقفنا مع أحداث وقعت فى شهر شعبان، فقد حدث احتلال الصليبين لبيت المقدس حيث استولى الصليبيون على بيت المقدس في الثالث والعشرين من شعبان عام أربعمائة واثنان وتسعون للهجرة، وقاموا بقتل سبعين ألفا من المسلمين في يوم واحد، وكذلك أيضا حدث تحرير مدينة حمص من الصليبيين، حيث حرّر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، مدينة حمص من يد الصليبيين في الواحد والعشرين من عام خمسمائة وتسعه وخمسون من الهجرة النبوية، ليسيطر بذلك على أغلب بلاد الشام، ومن الأحداث أيضا هى معركة الأرك، وقد وقعت معركة الأرك التي يطلق عليه النصارى كارثة الأرك فى التاسع من شعبان عام خمسمائة وواحد وتسعون من الهجرة حيث وقعت بين قوات الموحدين المسلمة تحت قيادة أبو يوسف يعقوب المنصور، وقوات مملكة قشتالة النصرانية بقيادة ألفونسو الثامن، ودارت أحداث المعركة بعد أن بعث ملك قشتالة رسالة فيها نوع من الاستهزاء والاستخفاف بأمير المسلمين أبو يوسف، فغضب لذلك الأمير وكتب له على ظهر الرسالة قول الله تعالى " ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون" وكان الجواب ما ترى لا ما تسمع" ثم توجه إليه بجيش قوامه مائة ألف مقاتل، حتى قيل إن المسافة بين مقدمة الجيش ومؤخرته كانت مسيرة ثلاثة أيام، وكان النصر الساحق حليف المسلمين، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستعدون لاستقبال شهر رمضان في ذلك الشهر المبارك، ويتسابقون خلاله بالطاعات، فتجدهم يكثرون من الصدقات.

    وتدارس القرآن الكريم، وتلاوته، والصيام، مصداقا لما روته لؤلؤة مولاة عمار بن ياسر رضي الله عنها، أن عمار كان يتهيأ لصوم شعبان كما يتهيأ لصوم رمضان، وكانوا رضي الله عنهم يعتنون بشهر شعبان اعتناء خاصا لما علموا من كراماته ونفحاته، وقد نبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى غفلة الناس عن عظم فضل شهر شعبان، وحثهم على استغلاله بالعمل الصالح، وإن من أهم ما يميز شهر شعبان رفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، فبعد تسجيل أعمال العباد في الصحائف، ترفع أعمال النهار في آخره قبل الليل، وترفع أعمال الليل في آخره قبل النهار، وترفع أعمال الأسبوع في يومي الاثنين والخميس، وترفع أعمال العام في شهر شعبان، ولذلك ينبغي للمسلم استغلال هذه الأوقات الفاضلة بالعبادة والاستغفار، ويعد شهر شعبان من الأزمنة الفاضلة التي أكرم الله تعالى عباده بها، حيث جعله موسما للأعمال الصالحة والعبادات، فهو الشهر الذي يسبق شهر رمضان المبارك، والصيام فيه يهيئ النفس لصيام رمضان، وكذلك قراءة القرآن، وسائر الأعمال، ومن الأحداث العظيمة عبر التاريخ، أيضا فى شهر شعبان هو فرض الصيام في رمضان حيث فرض الله تعالى الصيام على المسلمين في العاشر من شعبان من العام الثاني للهجرة، كما قال ابن كثير رحمه الله "وفي شعبان فرض صوم رمضان" ولا بد من الإشارة إلى أن زكاة الفطر فرضت في نفس الوقت، وكذلك تحول قبلة المسلمين إلى الكعبة المشرفة، حيث أمر الله تعالى المسلمين بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة.

    بعد أن كانت قبلتهم باتجاه بيت المقدس لسنة ونصف، وتم بذلك نسخ أول حكم شرعي، وضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في الاستجابة لأمر الله تعالى، دون أي تردد أو تأخير، حتى إن بعضهم بلغهم حكم تحول القبلة وهم راكعون في الصلاة فداروا كما هم باتجاه الكعبة، وكذلك حدوث غزوة بني المصطلق، حيث وقعت هذه الغزوة المباركة في الثاني من شعبان من العام الخامس للهجرة، وكان سببها أن بعض الأخبار وردت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفادها أن المشركين يتجمعون لقتاله والقضاء على المسلمين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش بالاستعداد، وباغت المشركين بالهجوم عليهم وهزمهم، ومن الأحداث التي وقعت في هذه الغزوة افتضاح المنافقين الذين يسعون في إفساد المجتمع المسلم، من خلال الكذب، والتحريض، ونشر الفتن بين أبنائه، حيث حاولوا استغلال خلاف وقع بين المهاجرين والأنصار ليشعلوا الصراع بين المسلمين، وقال رأس النفاق عبد الله بن أبي في ذلك اليوم قولته الخبيثة "لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل" ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل مباشرة وقال " دعوها فإنها منتنة" فدُفنت الفتنة في مهدها، ولقد عرف العرب الأشهر الهجرية، وسموها واعتمدوها في تقويمهم وتأريخهم، وورد في القرآن الكريم ذكر لتعداد هذه الأشهر وتصنيفها، فهى اثنا عشر شهرا، مقسمة إلى أشهر حُرم وعددها أربعة، وأشهر حل أو حلال وعددها ثمانية، والأشهر الحُرم هي الأشهر التي كان يقعد فيها العرب عن القتال في الجاهلية وحتى بعد الإسلام.

    ويمتنعون عنه فيها، وهي ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، فهذه الأشهر الأربعة يحرم القتال فيها، فإذا انقضت كان العرب يخرجون لملاقاة الأعداء وقتالهم، وأما الأشهر الحل فسميت بذلك لأن القتال فيها يعود حلالا بعد أن حُرم ومُنع في الأشهر الحُرم، والأشهر الحل هى صفر، وربيع الأول، وربيع الآخر، وجمادى الأول، وجمادى الآخر، وشعبان، ورمضان، وشهر شوال، وأما عن ليلة النصف من شعبان فإنه لم يثبت أي دليل فيما يخص فضل ليلة النصف من شعبان، والوارد فيما يخصها آثار مقطوعة عن بعض التابعين وأحاديث موضوعةٌ وضعيفة جدا، ولا يصح القول بأن كتابة الآجال والأعمار تكون في ليلة النصف من شعبان، وبناء على ذلك فلا يصح إحياؤها أو صيام يومها أو تخصيصها بعبادة ما، ولا حرج أو بأس من إحيائها كغيرها من الليالي دون الزيادة أو الاجتهاد أو التخصيص كما لا حرج بصيام اليوم الخامس عشر من شعبان مع يومي الثالث عشر والرابع عشر بنية صيام الأيام البيض، أو بنية صيام الاثنين أو الخميس إن صادفهما، دون الاعتقاد بالزيادة في الأجر والفضل، وقد ورد النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البدء في صيام شعبان من منتصفه، وكذلك لا يجوز صيام آخر الشهر من باب أولى، ويخرج من النهي من كانت عادته صيام يومي الاثنين والخميس، أو صيام يومٍ وإفطار يومٍ، ولا حرج من البدء بالصيام من الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر من الشهر، فبذلك يتحقق أكثر من نصف الشهر، أي أنه لا حرج أيضا من صيام كل الشهر أو أكثره.

    وقد وردت بعض الأعمال التي لا تصح في شهر شعبان، منها أداء عدد ركعات معينة ليلة النصف من شعبان، وصلاة البراءة، وهي التي تؤدى مائة ركعة في ليلة النصف أيضا، وصلاة ست ركعات اعتقادا بدفع البلاء والكرب ونيل العمر الطويل، وقراءة سورة يس، والدعاء بدعاء مخصوص، ومن البدع المحدثة أيضا الاعتقاد بأن ليلة النصف من شعبان ليلة القدر، وصنع الطعام وتوزيعه على الفقراء والمحتاجين، وهو ما يطلق عليه عشيات الوالدين، وكذلك لم يرد في فضل العبادة من صلاة أو صيام في ليلة النصف من شعبان حديث ضعيف، بل كل ما ورد فيها كان من الأحاديث الموضوعة التي لا يحل العمل بمقتضاها أو الأخذ بها، سواء كان ذلك في فضائل الأعمال أم غيرها، وممن حكم على تلك الروايات بالبطلان الإمام الجوزي في كتابه الموضوعات، وكذلك العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه المنار المنيف، وقال ابن باز رحمه الله إن كل ما ورد في فضل هذه الليلة من الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة التي لا أصل لها، وبالتالي فهي ليلة لا تخص بشيء من العبادات من صلاة خاصة أو قراءة، وأنه لا يجوز تخصيص يوم النصف من شعبان بالصيام دون غيره من الأيام إلا في حالات معينة، وهي أن يصومه مع باقي أيام شهر شعبان المستحب الإكثار من الصوم فيه، وكذلك يجوز صيامه لمن كانت له عادة في الصيام كصيام يوم وإفطار يوم، أو لمن كانت عادته صيام الإثنين والخميس إذا وافقت تلك الأيام يوم النصف من شعبان، وكذلك يجوز صيامه باعتباره من الأيام البيض.

    وأنه لا ميزة لشعبان كشهر على غيره من الشهور، سوى ما ورد من كثرة صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، ومغفرة الله لخلقه في وسطه، فلا ميزة لشهر شعبان كما يتناقله الناس، ويوردون له أحاديث لا تصح ومنها ما ورد عن السيدة عائشة رضى الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " شعبان شهري، ورمضان شهر الله، وشعبان المطهر، ورمضان المكفر" وقيل هو حديث موضوع، وأيضا قيل عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي " فقيل هو حديث موضوع، وقيل أيضا " إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب" وقيل هو ضعيف، وقيل أيضا " أن في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت يقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة" وهو ضعيف، وقيل أيضا عن الصلاة الألفية وهى بدعه ابتدعتها الناس بما يسمى بالصلاة الألفية، وهذه الصلاة المبتدعة تسمى بالألفية، لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات، وقد رُويت صفة هذه الصلاة، والأجر المترتب على أدائها، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في "الموضوعات" ثم قال "هذا حديث لا نشك أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل، وفيهم ضعفاء بمرة، والحديث محال قطعا" وهي مما ابتدعه الناس في النصف من شعبان، وقد قال عنها الإمام النووي في كتاب "المجموع"

    "الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء، ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب "قوت القلوب" و"إحياء علوم الدين" ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك، ونحن على أعتاب هذا الشهر الكريم، فإن هذا موسم من مواسم الطاعة، وفرصة من الفرص الذهبية التي تتاح لعشاق الجنة الذين يتوقون إلى رفقة سيد المرسلين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجمل التسابق بين أفراد الأسرة في طاعة الله عز وجل وما أطيب التعاون بينهم على البر والتقوى والعبادة والطاعة، لا سيما في هذا الشهر الكريم، فيجب علينا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسي به في طاعته لله تعالى، وكثرة صيامه في هذا الشهر الكريم، وأن تسارع المسلمات الفضليات بقضاء ما عليهن من أيام رمضان الماضى، اقتداء بأمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كن يؤخرن قضاء رمضان إلى شعبان ليوافق صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان، وذلك لأنهن كن يشتغلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قضاء ما عليهن من رمضان، وأن يُقبل الجميع على كتاب الله تعالى تلاوة وتدبرا وتعبدا وتخشعا، فما هي إلا أيام ويُقبل علينا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن الكريم، وأن يسارع الذين يؤمون المسلمين في صلاة التراويح، بمراجعة ما يحفظون من كتاب الله تعالى، وأن يشغلوا أنفسهم في شهر شعبان بهذا الواجب.