الجمعة 22 نوفمبر 2024 03:02 مـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن شهر شعبان ” الجزء الرابع ”

    مصر وناسها

    ونكمل الجزء الرابع مع شهر شعبان، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال "كان أحب الصوم إليه صلى الله عليه وسلم في شعبان" رواه أحمد، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان" رواه الترمذي وقال حديث حسن، وإن للمؤمن في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فينبغي لمن تيسر له الصوم بسبب نشاط أو فراغ أو رغبة أن يبادر إليه وأن يجاهد نفسه عليه ابتغاء للأجر وتأسيا بسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، ولقد اجتهد أهل العلم في البحث عن سبب إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان وأصح الأقوال في ذلك ما جاء مصرحا به في الحديث الذي رواه ابن خزيمة وصححه من حديث أسامة بن زيد قال "قلت يا رسول الله لم أَرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال صلى الله عليه وسلم "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" والأعمال ترفع إلى الله فى كل يوم مرتين يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، وترفع وتعرض في كل أسبوع مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس، ويرفع عمل العام في شعبان، فمن تذكر أن عمله يسجل ويكتب ويرفع ويعرض على العليم الخبير حَرى به أن يحاسب نفسه وأن يحسن عمله وأن يتوب إلى الله من سيئاته وزلاته، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى رخص لأهل الأعذار أن يفطروا في رمضان، ثم يقضوا الأيام التي أفطروها.

    ووقت القضاء يبدأ من ثاني يوم في شوال ويستمر إلى أن يبقى على قدوم رمضان بقدر أيام القضاء فلا يحل تأخير القضاء تهاونا وتسويفا حتى يدخل رمضان، فمن كان عليه قضاء من رمضان الفائت فليبادر بقضائه فإن رمضان على الأبواب والأيام سريعة، فعليكم أن بادروا في هذا الشهر إلى ما يقربكم إلى المولى عز وجل، فهو شهر فاضل، وكان يسمى عند السلف "شهر القراء" وذلك لكثرة مراجعتهم للقرآن الكريم، وانقطاعهم لتلاوته، والتزامهم بمعاهدته والإكثار من قراءته استعدادا لقيام رمضان، فالمبادرة المبادرة، والمسارعةَ المسارعةَ لإعمار هذا الشهر بالقربات وسائر النوافل والطاعات، فاعمروا أوقاتكم في هذا الشهر وغيره بكل ما يقربكم إلى المولى سبحانه وتعالى وسابقوا إلى الخيرات واغتنموا الصالحات، فقال الله عز وجل فى كتابه العزيز كما جاء فى سورة آل عمران " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" وقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الحشر " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" وإن مما أحدث الناس في هذا الشهر هو الاحتفالَ بليلة النصف من شعبان وهي احتفالات بدعية فليلة النصف منه كغيرها من الليالي لا تخص بقيام ولا بذكر ولا باجتماع ولا يخص يومها بصيام ولا بغيره من أنواع العبادات فاحذروا البدع فإن البدع كلها ضلالة وكلها في النار كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان تفضيل بعض الأزمان أنعم الله تعالى على عباده بمواسمٍ معينة.

    لزيادة الأعمال والطاعات والعبادات فيها، والتقرب من الله تعالى، فتنال الأعمال فيها البركة ببركة الزمان التي حدثت فيه، ومن الأزمان التي كان يكثر فيها النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات والقربات، شهر شعبان، فكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حريصا على الطاعة والعبادة رغم مغفرة الله له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتافسون ويتسابقون في الطاعات والعبادات، ولا بد من المسلم الحرص على الاجتهاد في مواسم العبادات، والاجتهاد في شهر شعبان خاصة، حيث إنه يعين على الاجتهاد في شهر رمضان، ولقد بيّن الله سبحانه وتعالى فضل شهر شعبان ومكانته ومنزلته بين باقي الشهور، عندما رأى تعظيم الجاهلية لشهر رجب، وتعظيم المسلمين لشهر رمضان، وعن أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر" ولأجل رفع الأعمال إلى الله في شهر شعبان أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك وهو صائم، فذلك أدعى لقبول الأعمال من الله تعالى، كما أنه أحب إلى الله عز وجل، وتجدر الإشارة إلى أن لليلة النصف من شعبان مكانة خاصة، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " يطلع الله إلى خلقه فى ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" فالله تعالى لا يطلع على المشرك، وعلى من كانت بينه وبين غيره شحناء وبغضاء، فالشرك من أعظم وأقبح الذنوب والمعاصي، الذي يكون بالذبح والدعاء لغير الله تعالى.

    وكذلك سؤال قضاء الحاجات من النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الشحناء والبغضاء التي قد يستهين بها البعض من أسباب عدم اطلاع الله تعالى على العباد، إضافة إلى أنها من أسباب عدم قبول الصلاة والأعمال، فلا بد من الإخلاص والسلامة من الحقد والحسد والغش لقبول الأعمال، والحكمة من إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في شهر شعبان تتمثل بإحياء أوقات الغفلة بالعبادة والطاعة، وفي ذلك قال الحافظ ابن رجب الحنبلى أن شهر شعبان يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، حيث يكتنفه شهران عظيمان، الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فقد اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأن رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك، ولقد بيّن العلماء العديد من الأحكام والمسائل المتعلقة بشهر شعبان، ومنها بشكل مفصل هو جمع الإمام ابن رجب بين تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم شهري شعبان ومحرم في الصيام فقال رغم أن البعض من الشافعية وغيرهم ذهبوا إلى القول بأفضلية الصيام في شهر محرم وباقي الأشهر الحرم على شهر شعبان، إلا أن الأظهر أن الصيام في شعبان أفضل من الصيام في شهر محرم، كما بيّن ابن رجب رحمه الله، بين تفضيل صيام نبى الله داود عليه السلام، وصيام شعبان وصيام يومي الاثنين والخميس، فقال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أن صفة صيام نبى الله داود عليه السلام كانت لنصف الدهر فقط، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفرّق بين أيام صيامه تحريّا للأوقات والأيام الفاضلة.

    وقد حفل شهر شعبان بالعديد من الأحداث التاريخية المهمة المتعلقة بالمسلمين، ففيه أمر الله تعالى المسلمين بالجهاد في سبيله، وأوجبه عليهم، وألزمهم به، كما حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في شهر شعبان، بعد أن صلت جموع المسلمين إلى جهة بيت المقدس، وأحدث ذلك العديد من التساؤلات خاصة أن تحويل القبلة كان بعد الأمر بالجهاد، ومن الأحداث الواقعة في شعبان غزوة بني المصطلق التي انهزم فيها المنافقون، وانكشفت خدعهم ومخططاتهم، إضافة إلى ما سبق فقد وقعت غزوة بدر الصغرى أيضا في شعبان التى لم يحصل فيها قتال بين المسلمين والكفار، وبلغ عدد المسلمين فيها ألفا وخمسمائة مقاتلا، ومن الجدير بالذكر أن بعض الناس يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيّن سبب تسمية شعبان، ويستدلون على ذلك بما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "إِنما سمي شعبان، لأنه يتشعب فيه خير كثير للصائم فيه حتى يدخل الجنةَ" وفي الحقيقة أن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بيّن العلماء أنه حديث موضوع، ولقد فضّل الله تعالى بعض الأزمنة، وميّزها على غيرها بالعديد من الخصائص، ومن الأمثلة على الأوقات الفاضلة هو شهر رمضان، والعشر الأواخر، وليلة القدر، مصداقا لما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من صام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وأيضا العشر الأوائل من ذي الحجة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    " ما العمل فى أيام أفضل منها فى هذه" ويعني الأيام العشر، قالوا ولا الجهاد يا رسول الله؟ قَال صلى الله عليه وسلم "ولا الجهاد، إلا رجل يخج يخاط بنفسه وماله، فلم يرجع بشئ" وإن من أعظم الأزمنة هو شهر شعبان، ومن فضائله هو كثرة صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه، ورفع الأعمال إلى الله تعالى حيث إن أعمال العباد ترفع إلى ربهم عز وجل في يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وترفع في شهر شعبان من كل عام، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام فيه، ويرجع السبب في رغبة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في أن ترفع أعماله إلى الله تعالى وهو صائم إلى لأن الصوم من الصبر، وقد قال الله تعالى " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" وأيضا يوجد فيه ليلة عظيمة فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في شهر شعبان ليلة عظيمة وهي ليلة النصف من شعبان، وإن في شهر شعبان هناك العديد من البدع والمكروهات التي تحدث في شهر شعبان استنادا لأحاديث منكرة أو ضعيفة، ويمكن بيان بعضها وهى صلاة ست ركعات في ليلة النصف من شعبان، وهى من البدع والمحدثات المخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن صلاة ست ركعات في ليلة النصف من شعبان بقصد دفع المصائب، وطول العمر، والاستثناء عن الناس، والدعاء وقراءة سورة يس، وقد بيّن الإمام النووي رحمه الله، أن ما يُسمى بصلاة الرغائب في شهر رجب وصلاة شعبان بدعتان قبيحتان، وقال الإمام الغزالي في كتابه الأحياء.

    "وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين التي لم أرى لها ولا لدعائها مستندا صحيحا من السنة إلاَ أنه من عمل المبتدعة" وبناء عليه يكره الاجتماع لإحياء مثل هذه الليلة في المسجد أو في غيره، وأيضا الاعتقاد بأن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر، حيث يعتقد البعض أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر، وفي الحقيقة أن هذا اعتقاد باطل، فقد قال الله تعالى " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن" وقال تعالى " إنا أنزلناه فى ليلة القدر" وبناء على ذلك فإن ليلة القدر في رمضان، وليست في شعبان، وقد ظهرت هذه البدعة في عام ربعمائة وثمانى وأربعين من الهجرة النبوية الشريفة، حيث قدم للمسجد الأقصى رجل من مدينة نابلس يُدعى بابن أبي الحميراء، وكان حسن الصوت، فقام يصلي في ليلة النصف من شعبان فلحق به رجل، ثم الآخر، ثم تكاثر المصلون، وما أن ختم الصلاة إلا وخلفة جماعة كبيرة، وأيضا فإن هناك أحداث وقعت في شهر شعبان حيث يُعد شهر شعبان من الأوقات الفاضلة، وقد وقع فيه العديد من الأحداث العظيمة عبر التاريخ، وهى أول ولادة وأول وفاة بعد الهجرة النبوية، فقد وُلد عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، في شهر شعبان، وكان أول مولود للمسلمين بعد الهجرة، وقد ذكرت أمّه السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ما أنهم فرحوا به فرحا شديدا، لأنه وُلد بعد أن قيل لهم أن اليهود قد سحرتكم ولن يولد لكم، كما توفي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون رضي الله عنه، في شهر شعبان أيضا، وكان أول من توفاه الله من المهاجرين في المدينة المنورة، ودُفن في البقيع.