الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 06:54 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن شهر رجب ” الجزء الخامس ”

    مصر وناسها

    ونكمل الجزء الخامس مع شهر رجب، وأما الأحاديث الواردة في فضل شهر رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه فهي على قسمين ضعيفة، وموضوعة، وهذا لا يعني أنه لا يشرع فيه التعبد، بل على المسلم أن يتقرب فيه إلى الله عز وجل بكل أنواع الطاعات من نوافل الطاعات والأعمال الفاضلات من صلاة، وصيامٍ، وصدقات، وغيرها من القربات على أنه من الأشهر الحرم، لا على الاعتقاد بفضيلة مخصوصة لهذا الشهر المحرم، وإن من فضل الله تعالي على أمة نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات، ومن هذه النفحات شهر رجب وما بعده من شهور، فنحن في موسم الطاعات، فكما أن لكل إنسان في الدنيا موسما تجاريا يغنم ويربح فيه حسب مهنته ووظيفته ونشاطه التجارى، فكذلك ينبغي على كل إنسان يريد أن يربح في تجارته مع الله تعالى وأن يتحري موسم الحسنات والطاعات والبركات والنفحات لهذا حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذه النفحات حيث قال " اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم" رواه الطبراني والبيهقي، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم" إن لربكم في أيام الدهر نفحات ، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا " رواه الطبرانى.

    وإن شهر رجب أحد الأشهر الحرم الأربعة ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان" لأن قبيلة ربيعة كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجبا، وكانت قبيلة مضر تحرم رجبا نفسه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم" الذي بين جمادى وشعبان" تأكيدا وبيانا، وليرفع ما وقع في اسمه من الاختلال، ليبين صحة قول هذه القبيلة في رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا كما تظن قبيلة ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال وهو رمضان اليوم، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رجب مضر لا رجب ربيعة، ومعنى كلمة حرم أي أن هذه الأشهر الحرم لها حرمة ومكانة وقداسة وعظمة عند الله تعالى، فيحرم فيها القتال والسرقة وانتهاك الحرمات كلها، لذلك تضاعف فيها الحسنات كما تضاعف فيها السيئات، لحرمة هذه الأشهر، فيجب علي المسلم تعظيم هذه الحرمات في هذه الأشهر الحرم، و خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهيا عنه في كل الزمان، ولذلك كان ظلم النفس والغير في هذه الأيام من أعظم الذنوب والآثام وذلك لما لها من حرمة كبيرة عند الله تعالى، ولأن القتال في هذه الأشهر قد يعرض مئات الآلاف من الحجاج وأهليهم الذين في ديارهم للهلاك والقتل بلا ذنب أو جريرة أو مشاركة في الحرب، لذلك أمّن الله تعالى هؤلاء الناس بل والأرض جميعا على أنفسهم وأموالهم في هذه الأيام لكى لا تمتد إليهم يد بقتل أو انتهاك للحقوق.

    وقال ابن كثير رحمه الله، كان الرجل يلقَى قاتل أبيه في الأشهر الحرم فلا يمد إليه يده، ولكن لماذا كانت الأشهر المحرمة ثلاثة متوالية؟ ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وواحد فرد وهو رجب؟ فقال العلماء وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة، ثلاثة سردا وواحد فرد، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، فحرّم قبل شهر الحج شهر، وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال، فيذهبون إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج وهم آمنون، وحُرّم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك وهم آمنون، وحرم بعده شهر آخر، وهو المحرم، ليرجعوا فيه إلى نائي أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول، لأجل زيارة البيت والاعتمار به، لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا، فإن ديننا هو دين السلام والأمان، دين يحرّم القتال في ثلث العام، ليأمن الناس على حياتهم وعلى أموالهم وأعراضهم، ولا يجعل للقتال مبررا في هذه الأيام إلا رد العدوان، أما ما دون ذلك فلا يجوز للمسلمين بدء القتال، ولقد عظم الإسلام الدم، وجعل سافكه مرتكبا لإثم كبير، وفي هذه الأشهر تتضاعف تلك الجريمة، إنها رسالة للعالم وللإنسانية أن هذا الدين دين سلم وسلام، وأمن وأمان، فهلاَّ فقهت البشرية وانتبه عقلاء العالم إلى هذا الدين العظيم، وإن ارتكاب المعاصي والذنوب وانتهاك الحرمات في هذه الأشهر ظلم بيّن للنفس، لذلك قال الله تعالى " فلا تظلموا فيهن أنفسكم" أي يقصد سبحانه وتعالى في هذه الأشهر المحرمة لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها.

    كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى كما جاء فى سورة الحج " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي، وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم، وقال قتادة إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم، ويقول الإمام القرطبي رحمه الله، فى قوله تعالى" لا تظلموا فيهن أنفسكم" بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله تعالى كما جاء فى سورة الأحزاب " يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا" وذلك لأن الفاحشة إذا وقعت من إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم يضاعف لها العذاب ضعفين بخلاف ما إذا وقعت من غيرهن من النساء، وإن شهر رجب هو مفتاح أشهر الخير والبركة، قال أبو بكر الوراق البلخي، أن شهر رجب شهر للزرع.

    وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع، وعنه قال مثل شهر رجب مثل الريح ومثل شعبان مثل الغيم ومثل رمضان مثل القطر، وقال بعضهم السنة مثل الشجرة، وشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قطافها، ويجب أن تكون وقافا عند حدود الله وفرائضه وحرماته في هذه الأشهر، فقال رسول صلى الله عليه وسلم" إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا فيها" رواه الحاكم، وكما يجب أيضا الإكثار من الصيام في شهر رجب والأشهر الحرم جميعها، فعن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال يارسول الله أما تعرفني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أنت ؟" قال أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة ؟" قال ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لم عذبت نفسك ؟" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صم شهر الصبر ويوما من كل شهر" قال زدني فإن بي قوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صم يومين" قال زدني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صم ثلاثة أيام" قال زدني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك" وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها" رواه أبي داود.

    وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم، وأيضا فإنه يجب المسارعة إلى كثرة الحسنات والبعد عن السيئات، وذلك لتضاعف الحسنات والسيئات بسبب شرف الزمان والمكان، فكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة لكن تعظم أي تكبر بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل كما ذكر في حق نساء النبى صلى الله عليه وسلم، فالسيئة أعظم تحريما عند الله في الأشهر الحرم، والخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان، وقال ابن القيم رحمه الله، تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها السيئة، لكن سيئة كبيرة وجزاؤها مثلها، وصغيرة وجزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، والسيئة من بعض عباد الله أعظم، لشرف فاعلها وقوة معرفته بالله تعالى وقربه منه سبحانه وتعالى، كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، وعن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" ولقد سجلت كتب السير وكتب السنة بل القرآن العظيم هذه الآية العظيمة وهى الإسراء والمعراج فلم يسجل لها تاريخ معين ولم يعرف في أي يوم.

    ولا أي شهر ولا أي عام تم الإسراء والمعراج ولم يرد في السنة تخصيص يوم أو ليلة للاحتفـال بها، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم جاهلا بفضلها؟ أعوذ بالله من ذلك، وأما السؤال الثاني فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم فضل هذه الليلة ولكنه كتم هذا الأمر ولم يخبر الأمة به؟ وأيضا نعوذ بالله تعالى أن نقول على الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول، ولو كان هناك ذكر أو عبادة معينة في يوم أو ليلة الإسراء والمعراج لقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وحض عليه مثل ما حض على قيام ليلة القدر أو العشر الأواخر من رمضان أو العشر الأول من شهر ذي الحجة أو صيام الأيام البيض أوصيام الاثنين والخميس أو غير ذلك مما هو مسجل في كتب السنة النبوية، وكما قرر علماؤنا في مثل هذه المناسبات أن العبادات توقيفية فلا تشرع إلا بدليل صحيح صريح يثبت بمشروعيتها، فإن المسلم الطالب للخير والثواب يبحث عنه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ففي القرآن الكريم قوله تعالى كما جاء فى سورة الحشر " وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهامن عنه فانتهوا" وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع "وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي" وليعلم العبد المسلم أنه والله لو أراد الخير والتمسك بالطاعات فإنها كثيرة فلا داعي للزيادة على ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنقم بما أمرنا به ومن فعل ذلك فقد ضمن له الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وعلينا أن نتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض أهل العلم أن السنة سفينة نوح من تمسك بها نجا، فماذا يريد المسلم إلا النجاة؟