الجمعة 22 نوفمبر 2024 08:35 مـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن شهر رجب ” الجزء الرابع ”

    مصر وناسها

    ونكمل الجزء الرابع مع شهر رجب، ويستحب للمسلم فى هذا الشهر الكريم الإكثار والمواظبة على ما ثبتت به السنة في سائر الأيام من نوافل الطاعات، من صلاة، وصيام، وصدقات، وغيرها من القربات، مع المحافظة على الفرائض والواجبات، ولكن لا يشرع تخصيصه بعبادة من العبادات، أو اعتقاد أن لها فضلا في هذا الشهر الكريم على سائر الطاعات، والحال أنه لم يشـرعها لنا فيه النبى الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها فيه صحابته الكرام رضي الله عنهم، ذلك لأنه رويت أحاديث كثيرة موضوعة أو منكرة ضعيفة، وأخبار عديدة واهية، أو ساقطة تالفة تدل على استحباب إحياء بعضِ ليالي هذا الشهر، أو فضل المداومة على الصيام، وإخراج الزكاة في أيام هذا الشهر، وتلكم الأحاديث والأخبار لا تصلح أن يعتمد عليها في إثبات مشـروعية تخصيصِ شهر رجب بتلك العبادات، لأن العبادة لا تشـرع في الإسلام إلا بدليل ظاهر من الكتاب الكريم، أو من صحيح سنة خير الأنام، وإلا كان العمل غير مقبول بحال، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " من عمل عملا ليس له أمرنا فهو رد" ويكثر في هذا الشهر تناقل بعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهي لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وينبغي للمسلم ألا ينشر حديثا حتى يتأكد من ثبوته وصحته، فمن ذلك على سبيل المثال، هو حديث قيل، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم" إذا دخل رجب قال" اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان " فهذا حديث ضعيف، وأيضا حديث.

    "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي" وهذا ضعيف أيضا، أخرجه الأصبهاني في الترغيب، وأيضا حديث فضل شهر رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار، وهذا حديث موضوع كما نبه عليه ابن حجر في تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، فاحذروا من ارتياد البدع أو استحسانها، والتزموا كتاب الله وهدي نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ففيهما الكفاية والنجاة، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وإن في شهر رجب تتشوق نفوس المؤمنين لشهر رمضان وتهب عليهم نسائمه ويستشعرون قربه، قال أبو بكر الوراق شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع، وجدير بمن سود صحيفته بالذنوب أن يبيضها بالتوبة في هذا الشهر، وبمن ضيع عمره في البطالة أن يغتنم فيه ما بقي من العمر، ولقد فضل الله تعالى بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة وذلك ليجد العباد في وجوه البر، وأعمال الخير، ويكثروا فيهن من الأعمال الصالحة، التي تقربهم من ربهم، وترفع درجاتهم، وتكفر سيئاتهم، ومن هذه المواسم التي فضلها الله تعالى الأشهر الحرم، والتي سميت بذلك بسبب تحريم القتال فيها، إلا أن يبادر العدو إليه، كما أن انتهاك المحارم في هذه الأشهر أشد من غيرها من شهور السنة، لذلك نهانا الله تعالى عن الظلم، وارتكاب المعاصي في هذه الأشهر، فقال الله تعالى " فلا تظلموا فيهن أنفسكم " فالواجب على المسلم أن يعرف قدر هذه الأشهر الحرم، وذلك لأن معرفتها وتعظيمها.

    وهكذا فلقد شرع الله تعالى منذ الأزل الأشهر كلها واستثنى منها أربعة أشهر حرم فيها القتال والتعدي على الآخرين فقال تعالى " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم" وهذه الأربعة هي على التوالي هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ثم يأتي الشهر الرابع منفصلا وهو رجب الفذ، أي الفرد، وإن رجب في اللغة من الترجيب، وهو التعظيم، فقد كانوا في الجاهلية يعظمونه ويحرمون فيه القتال، ويعيرون بعضهم بعضا إن أغارت قبيلة بالقتال على أخرى في شهر رجب، وهكذا ظل وسيظل إلى يوم القيامة، تعظيما لشعائر الله تعالى "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" وإن مما أحدث الناس من الأمور التي ليس لها أصل في الشريعة مما يعتقده البعض من فضيلة العمل في هذا الشهر, شهر رجب, وزعمهم أن العمل فيه أفضل من غيره وأن له خصوصية عمل امتاز بها عن بقية الشهور وغير ذلك من الأمور المحدثة لم يثبت منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، لم يثبت في شهر رجب لا في صيامه ولا في صيام أيام معينة منه ولافي قيام ليلة فيه معينة حديث صحيح يصلح للحجة، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، كل حديث في صيام شهر رجب وصلاة بعض الليالي فهو كذب مفترى، وقال الشيخ الشوكاني رحمه الله تعالى، جميع ما ورد فيه من النصوص إما موضوع مكذوب وإما ضعيف شديد الضعف.

    فقد روى الطبراني بإسناد صحيح عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئا يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه" فكل عبادة يجب أن تكون محكمة بحكم الشرع في أمره صلى الله عليه وآله وسلم ونهيه، جارية على نهجه، موافقة لطريقته، وما سوى ذلك فمردود على صاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" أو قال صلى الله عليه وسلم أيضا "ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فبسبب البدع وأهلها يكثر الجدل بغير الحق، وتحصل الخصومة في الدين، وقد قال قتادة رحمه الله تعالى في قوله تعالى " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات" قال هم أهل البدع، وقد أكدت الأخبار النبوية الشريفة أن القصد في السنة خير من الاجتهاد في بدعة، وأنه ما قامت بدعة إلا وأميتت سنة، فقد أخرج الإمام أحمد والبزار من حديث غضيف بن الحارث مرفوعا "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة" ومن هذه البدع بدعة الرجبية الذين يعظمون أياما أو ليالي من شهر رجب، ولاسيما ليلة السابع والعشرين منه إذ يزعمون أن ليلة الاسراء والمعراج وقعت فيه ولم يثبت ذلك بالنقل الصحيح، ومن هنا أيها الموحد تعلم أن عبادة الله أمر لايجوز إلا بما شرعه لك الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أراد أن يتقرب إلى الله عز وجل وينال ثوابه وحبه ورضاه بغير ذلك فسوف يحصل له عكس مقصوده وخلاف مراده.

    فإن الله تعالى لا يرضى إلا بما شرعه من العبادات، وإن في هذا الشهر شهر رجب الذي هو أحد الأشهر الحرم يحصل من بعض المسلمين هداهم الله بعض المخالفات حيث يريد هؤلاء التقرب إلى الله تعالى ومغفرة الذنوب وحب الله عز وجل ورضاه بعبادات لم يشرعها الله تعالى لهم ولم يأذن بها، ويسمعون بهذه الليالي وما فيها من المبالغات في الأجور، مثل من صلى ليلتها فله عبادة ألف سنة، ومن عمل كذا فله أجر أربعين ألف سنة، وغير ذلك، فيقبلون عليها، ولا شك أنهم يريدون الخير ولكن، إن العبرة ليست فقط بالنية الحسنة بل يجب مع النية الحسنة أن يكون العمل مشروعا، ومما يفعل في شهر رجب الذبائح، وقد كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة، وقد أبطلها الإسلام لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا فرع ولا عتيرة" وكذلك مما أحدث في شهر رجب الصلاة التي لم يأذن بها الله ولا رسوله، وهي ما يسمونه بصلاة الرغائب، فقال العلماء لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب كذب وباطل لا تصح وقال بعض أهل العلم إنها صلاة أُحدثت بعد المائة الرابعة ولم تعرف قبل ذلك، كذلك لم يتكلم عنها علماء القرون المفضلة، وكذلك مما يخص به بعض الناس شهر رجب دون غيره الصيام، ولم يصح في صوم شهر رجب بخصوصه حديث، ولكن من كان له عادة صوم يصومها فليفعل، بل لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا كاملا سوى شهر رمضان.

    كما روت ذلك أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان" رواه البخارى ومسلم، وكذلك مما أحدث في شهر رجب مايسمونه بالعمرة الرجبية وهذا أيضا من الخطأ فإنه لم يرد حديث في فضل العمرة في شهر من الشهور إلا في شهر رمضان، فقد ورد في الصحيح أن "عمرة في رمضان تعدل حجة" وفي رواية " حجة معي" ولذلك فإن من اعتمر في هذا الشهر قاصدا ألشهر فقد أخطأ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب أبدا مع أنه اعتمر أربع مرات، كذلك فإنه لم يرد في السير ولا في السنة أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أمر بإحياء ليلة الإسراء والمعراج بذكر معين أو بصلاة أو بصيام يوم معين لأجل الإسراء والمعراج كما أحدثه كثير من الناس في الأيام الأخيرة مثل الصلاة التي تسمى صلاة الرغائب بصفة مخصوصة وذكر معين في أول خميس من شهر رجب، أو في صيام أيام منه أو الاحتفال في ليلة معينة كليلة السابع والعشرين من شهر رجب على اعتبار أنها ليلة الإسراء والمعراج وقراءة القصة التي فيها زيادات وأكاذيب لم تثبت عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والتي يتداولها بعض الناس، والأدعية المخصوصة التي تقال في تلك الليلة كلها ظلمات بعضها فوق بعض، وقد قال العلماء إن هذه الأعمال التي تقام في شهر رجب أمور غير مشروعة باتفاق أئمة الإسلام.

    ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع، فإن صغائر الذنوب متى استرسل فيها الإنسان كان على وجهه في النار مكبوب إلا أن يتوب، وإلى ربه يؤوب، وكما أن المعاصي تعظم في الأشهر الحرم، فكذلك الحسنات والطاعات تعظم وتضاعف في هذه الأشهر، فالتقرب إلى الله عز وجل بالطاعة في الشهر الحرام أفضل وأحب إليه سبحانه من التعبد في سائر الأيام كما سبق في قول ابن عباس رضي الله عنهما "وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم" فيستحب للمسلم في هذه الأشهر الإكثار والمواظبة على ما ثبتت به السنة في سائر الأيام من نوافل الطاعات، من صلاة، وصيام، وصدقات، وغيرها من القربات، مع المحافظة على الفرائضِ والواجبات، ولكن لا يشرع تخصيصها بعبادة من العبادات، أو اعتقاد أن لها فضلا، في هذه الأشهر على سائر الطاعات، والسؤال هنا هو أنه هل لشهر رجب فضل على غيره من الشهور؟ وهل وردت في السنة الصحيحة أحاديث تؤكد ذلك؟ والإجابة هى أنه قال ابن حجر، لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، وقال أيضا، وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه فهي على قسمين ضعيفة، وموضوعة، وهذا لا يعني أنه لا يشرع فيه التعبد، بل على المسلم أن يتقرب فيه إلى الله عز وجل بكل أنواع الطاعات من نوافل الطاعات والأعمال الفاضلات من صلاة، وصيام، وصدقات، وغيرها من القربات على أنه من الأشهر الحرم.