الجمعة 22 نوفمبر 2024 10:35 مـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    شجرة الدر.. الجارية التي حكمت دولة

    مصر وناسها

    قرأت بقدر ما وفقنى الله فى سير ذاتية وشخصيات أثرت فى التاريخ فلم يستوقفنى شخصيات نسائية بقدر ما وقفت أمام شخصيتين الأولى هى شجرة الدر والثانية هى العابدة المتصوفة رابعة العدوية وسأتطرق للشخصيتان إن وفقنى المولى.
    شجرة الدر أو شجر الدر كما لقبها السلطان نجم الدين أيوب ولو تأملنا الإسم لاستشعرنا جماله وعظمته فنحن نقول درة فمال بالك لو قلنا شجر وليس شجرة ونحن نعلم ما تحمله الشجرة الواحدة من ثمار وكانت جديرة بهذا اللقب وذلك لأنها كانت شديدة الجمال والقسوة فى آن واحد وتتمتع بالحكمة والذكاء.
    شجر الدر هى عصمت الدين ام خليل ولدت عام 1216 واختلف المؤرخون فى اصلها فمنهم من قال انها شركسية والبعض قال انها تركية أو أرمينية أو خوارزمية والبعض قال انها من البدو ولكنهم أجمعوا على أنها كانت جارية إشتراها السلطان نجم الدين أيوب الملقب بالملك الصالح وكانت لها مكانة خاصة فى قلبه وعندما تولى حكم مصر عام 1240م أعلن زواجه منها فاكتسبت لقب سلطانة بعد ان أنجبت له إبنه الخليل وكانت تتمتع بمكانة خاصة لدى السلطان حتى قيل أنه كان يستشيرها فى أمور البلاد بل وكانت تحكم البلاد سرا فى فترة وجوده وعلنا فى غيابه ومما لاشك فيه انها كانت تتمتع بشخصية قوية تختلف عن أى سيدة أخرى وهذا ما جذب الملك لها وجعلها مقربة من الحكم وهذا ما ساعدها على ما كان بعد ذلك فعندما مرض السلطان وأدركت أنها النهاية ختمت اوراقا بختمه إستعملتها بعد ذلك لشهور وكأنه على قيد الحياة فهى لم تعلن وفاته ومن علم بوفاته أربعة اشخاص فقط هم فارس الدين اقطاى وكان زعيم المماليك وعز الدين أيبك والطبيب وشجر الدر فعند وفاة السلطان فى 22نوفمبر عام 1249م جمعت قادة زوجها وأدارت الأزمة الكبيرة التى كانت تواجه البلاد حتى عبرت ولم تكتفى بذلك بل رتبت لتسليم السلطة لإبن زوجها توران شاه الذى جاء من الشام لتسلم الحكم بعد والده وقبل وصوله أمرت رجال السلطة والجيش أن يحلفوا له يمين الولاء ووضعت خطة حربية لصد هجمات الأعداء حيث كانت مصر تواجه الحملة الصليبية السابعة على مصر وانتصر المسلمون. ولكن تنَكر توران شاه لها وسعيه للتخلص من أمراء المماليك كان سببا فى نهايته الحادثة التى يقال ان شجرة الدر لها يد فيها فكما أعلته أسقطته فأى جبروت هذا بحق السماء؟!
    بعد ذلك تولت الحكم ولم يدم طويلا بل دام ثمانين يوما فقط وكانت اول سلطانة فى الإسلام ولقبت بالمستعصمة الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين.
    وكما ذكرت لم يدم الحكم طويلا فقد أجبرها رفض الخليفة العباسي المستعصم بالله ورفض الأسرة الحاكمة لحكمها وأجبروها على التنازل بالحكم لأحد الأمراء وكان أمامها خياران فارس الدين أقطاى والمعز عزالدين أيبك فاختارت عز الدين أيبك ولكن لم يكن التنازل سهلا على إمرأة فى ذكائها وطموحها ودهائها فقد تزوجت الأمير قبل أن تتنازل له وبذلك لم تخسر شيئا فهى السلطانة كما كانت وتزوجته لتصبح زوجة آخر ملك أيوبى وأول سلطان مملوكى.
    وأرادت شجر الدر أن تسيطر على أيبك فأرغمته على هجر زوجته الأولى وأم ولده المنصور ليس هذا فحسب بل ساعدته فى التخلص من أكبر منافسيه وهو فارس الدين أقطاى ولكن وكأى إمرأة مهما كانت ومهما بغلت من مناصب سواء سلطانة أو حاكمة أو وزيرة أو حتى خادمة المراة هى المرأة ولم يكن بالسهل على شخصية بحجم شجر الدر تقبل الخيانة فعندما علمت بنية زواج أيبك من إبنة حاكم الموصل إستدرجته إلى قلعتها وقتلته وكانت آخر جملة قالتها له فى آخر أنفاسه (لا أحد يهزم شجر الدر يا أيبك) وبهذا سطرت نهاية ثانى سلطان فى حياة السلطانة فقد لفظ انفاسه الأخيرة عام 1257م بعد زواج دام سبع سنوات وربما سطرت معه نهايتها هى أيضا فعندما علمت زوجته الأولى وأم ولده إستدرجتها وحبستها فى غرفة وأمرت جواريها وخدمها أن يضربنها بالقباقيب حتى ماتت وأُلقيت عارية من نافذة القلعة فى الثالث من مايو عام 1257م ويقال فى الثانى من إبريل من نفس العام، وبذلك سطر آخر سطر فى تاريخ إمرأة حكمت مصر وكانت اول سلطانة فى الإسلام فهى حقا الجارية التى تولت عرش مصر.
    وقد تركت آثارا فى تراث الفنون الإسلامية منها القبة الضريحية وهى أول محراب فى العمارة الإسلامية وتوجد فى منطقة الخليفة بمنطقة آثار القلعة كما تركت قلادة ذهبية يُعتقد أنها كانت لها وقت السلطة وعملات ذهبية نقش عليها إسم والدة الخليل وبهذا تكون قد طويت قصة حياة أغرب إمرأة تقلدت حكم فهمى لم تكن إمرأة عادية بل إمتلكت من الذكاء والدهاء والفطنى ما ميزها عن غيرها بل وما ميزها عن رجال.