السبت 23 نوفمبر 2024 02:19 صـ
مصر وناسها

    رئيس مجلس الإدارة محمد مجدي صالح

    غطاطي للإطارات
    المقالات

    مجدي درويش يكتب عن نبى الله نوح ” الجزء الثالث”

    مجدي درويش
    مجدي درويش

    ونكمل الجزء الثالث مع نبى الله نوح عليه السلام، وإن الاعتقاد السائد حسب الديانات السماوية هو أن نبى الله نوح عليه السلام هو الحفيد التاسع أو العاشر لآدم عليه السلام، وإن نبي الله نوح عليه السلام هو أول الرسل، وهو من أولي العزم الخمسة، وقد بعثه الله بعدما عبدت الأصنام، وحاد الناس عن التوحيد، ويقص علينا القرآن الكريم ما كان من قومه، وما نزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان، وكيف أنجاه الله وأصحاب السفينة، وجاء فى كتاب البداية والنهاية لابن كثير، أن نبى الله نوح عليه السلام، هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ، وهو إدريس بن يرد، بن مهلاييل، بن قينن، بن أنوش، بن شيث، بن آدم أبي البشر عليه السلام، كان مولده بعد وفاة آدم، بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره، وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم، يكون بين مولد نوح، وموت آدم، مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون، كما قال الحافظ أبو حاتم بن حبان، وقد سماه أبوه نوحا قائلا "هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التي لعنها الرب" وكان نوح رجلا بارا وكاملا وسار مع الرب مثل أخنوخ وهو نبى الله ادريس.

    وأعلن إيمانه المطلق بالله وكرز به وتعتبر ملحمة جلجامش السومرية التي تم اكتشاف ألواحها الطينية من قبل البعض أول نص من الناحية التاريخية يذكر فيها قصة الطوفان في حين أن كثيرا من العلماء يعتقدون أن القصة تمت إضافتها إلى اللوح الحادي عشر من شخص استخدم قصة الطوفان الموجودة في ملحمة اتراحسيس، الخلود وكان اسمه أوتنابشتم أو أتراحاسيس والذي يعتبره البعض مشابها جدا إن لم يكن مطابقا لشخصية نوح عليه السلام في الأديان الإبراهيمية، وكما يعتقد أن أسطورة ديوكاليون الأغريقية تتشابه إلى حد كبير مع شخصية النبى نوح عليه السلام، وتتعلق الأساطير اليونانية بالعديد من حكايات السيول التي غطت الأرض بأكملها، وإن قصة نبي الله نوح، أبي البشر الثاني، وأول رسول أرسله الله للناس ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، تحكي عن عناد قومه وإصرارهم على الشرك، وكيف عذبهم الله عز وجل، ونجا نبيه نوح ومن معه، ولقد عاش أحفاد أبونا آدم عليه السلام في الأرض، وبدؤوا يتكاثرون وينتشرون، يعبدون الله عز وجل وحده لا شريك له كما علمهم أبوهم آدم، وقد حاول معهم الشيطان من جيل لجيل.

    أن يصرفهم عن عبادة الله، ولكنهم كانوا أقوياء بدينهم فلم يستمعوا له أو يطيعوه، ومع ذلك لم يمل ولم يستسلم، وأصر على أن يخرجهم من عبادة الله، ففكر في حيلة غريبة، مع أنها تأخذ وقتا طويلا فقد كان صبورا جدا، وهكذا الشيطان الخبيث يخطط ليغوي بني آدم، وفي هذه الفترة كان هناك خمسة رجال صالحين وكانوا يعبدون الله عز وجل ويطيعونه، وكان الناس يحبونهم لطاعتهم لله، ويقتدون بهم، فلما مات هؤلاء الصالحون، جاء الشيطان إلى أتباعهم الذين كانوا يقتدون بهم، ووسوس إليهم أنِ اصنعوا تماثيل تشبه هؤلاء الصالحين، وسموها بأسمائهم، فكلما رأيتم هذه التماثيل تذكرتم هؤلاء الصالحين، فتتشوقون لعبادة الله كما كانوا يعبدونه، فكانت خطته الشريرة أن يبدأ بخطوة صغيرة أولا، وهي أن يجعلهم يصنعون الأصنام، وبعد ذلك يجعلهم يشركون بالله خطوة بخطوة، وبالتدريج وبدون أن يشعروا، ولذلك علينا أن نحذر من خطوات الشيطان فهو لن يقول لك لا تصلى، ولكن سيبدأ بخطوة صغيرة، كأن يقول لك لا بأس أن تؤخر الصلاة قليلا، ثم يوسوس لك لا بأس أن تنام وتصلي بعد أن تستيقظ.

    ثم يأتي إليك فيقول أنت متعب، لماذا لا تجمع الصلاتين معا ويظل يوسوس يوما بعد يوم، حتى تقع في فخه، وتترك الصلاة نهائيا، ولذلك إذا وجدت الشيطان يوسوس لك بتلك الخطوات البسيطة فلا بد وأن نَستعيذ بالله منه، ونخالفه، ونسارع بالطاعة، حتى لا نقع في فخه، وبالفعل فقد وقَع هؤلاء القوم في الفخ، ولم ينتبهوا لخطوات الشيطان، وصنعوا التماثيل ولم يعبدوها في البداية، فلما مات هؤلاء أيضا جاء الشيطان لأبنائهم وجعل يخبرهم أن آباءهم كانوا يعبدون هذه الأصنام، وكانوا يستسقون بها المطر، فعبدوها، وهكذا نجح الشيطان في خطته، واستطاع بخبثه أن يجعل الناس ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة تلك الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وكان السبب الرئيسي هو الجهل، فكان جهلهم هو سبب وقوعهم في الشرك، فلو كانوا يعلمون أن الله وحده فقط هو الذي يستحق العبادة دون غيره، وأن كل هؤلاء البشر، وكل هذه المخلوقات هي عبيد الله تعالى لا تنفع ولا تضر فلا نرفعها فوق منزلتها، أو نقدسها، لما استطاع الشيطان أن يضلهم ويوقعهم في الشرك، وهكذا بدأ أول شرك على وجه الأرض.

    وجيلا بعد جيل نسي الناس عبادة الله وحده، وانتشر الشرك، وعكف الناس على تلك الأصنام، يصرفون إليها الطاعات، ويسجدون لها ويخضعون، يطلبون منها الرزق، ويرجون منها النفع ويلتمسون منها دفع الضر، ونسوا أن الله عز وجل هو الخالق الذي يستحق العبادة وحده، وهو الرازق الذي يرزقهم، وهو وحده الذي ينفع ويضر، وقد استمرت هذه الحال سنوات وسنوات، حتى أذن الله سبحانه وتعالى وبعث إلى أولئك القوم نبيه نوحا عليه السلام ليرشدهم إلى الطريق، وينهاهم عن عبادة الأصنام، ويهديهم إلى عبادة الله تعالى، وكان نوح رجلا صالحا، وكان على الفطرة، مؤمنا لم يعبد الأصنام كما فعل قومه، وهكذا كل الأنبياء الذين أرسلهم الله عز وجل، فقد اصطفاه الله عز وجل واختاره ليكون رسوله في الأرض، فيدعو الناس إلى عبادة الله وحده دون سواه، وقد سمع نوح لربه وأطاعه، وخرج على قومه، وبدأ رحلة دعوته لهم كما أمره الله تعالى، فجاء لقومه وقال يا قوم، اعبدوا الله عز وجل وحده، ما لكم من إله غيره، وكان نبى الله نوح عليه السلام داعيا مجتهدا، عطوفا شفوقا يحب الخير لقومه، يدعوهم ليلا ونهارا، سرا وجهارا.

    وكان عليه السلام ينوع في دعوته، فمرة يخاطب عقولهم فينادي فيهم يا قوم، لا يستحق العبادةَ إلا الله عز وجل؛ فهو الذي خلقَكم ورزقَكم، فكيف تعبدون آلهة لا تنفع ولا تضر، لا تسمع ولا تبصر؟ ألم تروا هذه السماء الواسعة، وهذا القمر المنير والشمس الساطعة، وتلك الجبال الشاهقة؟ فمن الذي خلقها؟ أليس الله عز وجل؟ ويقول لهم بل من الذي ينزل المطر من السماء وينبت الأرض، ويبعثكم بعد موتكم؟ إنه هو الله وحده فلا تعبدوا غيره، ومرة أخرى ينذرهم عذاب الله ويخوفهم إن لم تتركوا عبادة هذه الأصنام فسيعذبكم الله عذابا شديدا، ومع كل هذه المحاولات اختلفت ردات فعل قوم نوح عليه السلام، فلمست دعوته قلوب الضعفاء والفقراء، الذين شعروا برحمة الله عز وجل وعظمته فصدقوا نوحا عليه السلام، ورجعوا لعبادة الله وحده لا شريك له، وأما الأغنياء والأقوياء فاستهزؤوا بنوح وسخروا منه وتجبروا في الأرض، ولم يقبلوا إلا عبادة أوثانهم، وقالوا له بسخرية أنت بشر مثلنا ولم يؤمن بك إلا الحقراء والأرذال، فكيف تريدنا أن نتبعك؟ أتريدنا أن نتساوى مع هؤلاء الفقراء؟ ثم قال هؤلاء الأغنياء المتكبرون لنبى الله نوح عليه السلام.

    لو أردت أن نتبعك فاطرد هؤلاء الفقراء فيستحيل أن تضمنا دعوة واحدة، فرد عليهم نبى الله نوح عليه السلام بكل لطف وتذكير، لا أستطيع أن أطردهم أو أتخلى عنهم، كيف أطردهم وهم آمنوا بي، وساعدوني في دعوتي، بل من سيمنع عني عذاب الله لو طردتهم، وهكذا رفض هؤلاء المتكبرون الإيمان بدعوة نبى الله نوح عليه السلام واختاروا طريق الغواية واتباع الشيطان، ولما رأوا أن نبى الله نوح عليه السلام لم يتوقف عن دعوته بدؤوا يسيئون الأدب معه، ويظهِرون له العداوة، بل وحتى توعدوه بالرجم، ومع ذلك كان نبى الله نوح عليه السلام صامدا قويا بإيمانه، لم يرهبه تهديدهم، وقد استمر في دعوته للناس سنين طويله، وهكذا فقد استمر نبى الله نوح عليه السلام في دعوته سنوات وسنوات، كبار يموتون وصغار يولدون ويكبرون، متخذين نفس طريق آبائهم وأجدادهم، من الضلال والكفر، وكذلك كبر نبى الله نوح عليه السلام في السن وأصبح شيخا، ولكنه لم يضعف، بل ظل ثابتا ثبات الجبال، قوي الإيمان، يحاول جهده ليؤمن به الناس، فكانوا يضربونه حتى يسقط، فيلقونه في قعر بيت، يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عز وجل.